منتديات يوفنتوس العربية

مرحبا بك عزيزي الزائر. سجل حساب مجاني اليوم لتصبح فردا من أسرتنا! بمجرد تسجيل الدخول، ستتمكن من المشاركة في هذا المنتدى عن طريق إضافة مواضيعك ومشاركاتك، وكذلك التواصل مع الأعضاء الآخرين عن طريق الرسائل الشخصية الخاصة بك!

:: جميع حلقات برنامج قصص القران ( متجدد يوميا ً ) ::

HisHiss12

عضو شرف
إنضم
16 أكتوبر 2008
المشاركات
1,112
مستوى التفاعل
1
النقاط
0
الإقامة
القاااااااااااهرة
بسم الله الرحمن الرحيم



:: جميع حلقات برنامج قصص القران ( متجدد يوميا ) ::



احب ان اقدم لكم جميع حلقات برنامج قصص القران الذى يقدمه الاستاذ عمرو خالد نصيا , عسا ان تفيدكم و نحن فى هذا الشهر المبارك .
 
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أهلا بكم، إن شعارنا لهذا العام (سنحيا بالقرآن).

يقول النبي – صلى الله عليه وسلم-: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة) لقد أقررنا اتفاقية بينكم وبيننا بأننا سنقوم بحملة سنحيا بالقرآن، ملصقٌ سنضعه في كل مكان ولقد اتفقنا عليه وهو موجود على موقع www.amrkhaled.net من الممكن أن تقوموا بعمل تحميل له، فنحن نريد عشرة ملايين ختمة للقرآن في رمضان؛ لكي نقابل بها الله تعالى ونفرح بها يوم القيامة، ولقد وضعنا على الموقع عدّادا فاشتركوا معنا لنحيا بالقرآن ونعيش بالقرآن لنصلح به حياتنا.

القرآن والقيم:

بالقرآن الكثير من القيم لإصلاح الحياة كلها، انظروا الآية الجميلة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ...} (الأنفال: الآية ۲٤ ) بماذا يحيكم؟ بالقيم الموجودة في القرآن وبالمعاني العظيمة الموجودة في القرآن ولهذا شعارنا سنحيا بالقرآن. سنأخذ في كل حلقة قيمة من القيم التي يقول عنها الله تعالى {...إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ...} قيمة في كل يوم من خلال قصة سيدنا موسى، وسنجمع كل هذه القيم في جدول، وسنختار قيمة في كل مرة.

قيمة العدل وعدم الظلم:

ويجب أن نركز على هذه القيمة الموجودة في قصة سيدنا موسى ألا وهي "عدم ظلم الآخرين". إياك أن تقف أمام الله يوم القيامة وأنت ظالم أو معين لظالم أو ساكت على ظلم، فلا تظلم أمًّا أو تحرمها من أولادها، إياك وظلم الضعيف أو أن تظلم خادما أو خادمة تعمل لديك، إياك أن تظلم موظفا بسيطا أو أن تأكل حق يتيم أو أرملة، وإياك وظلم الأجير أو تأخير حقه، إياك ودعوة المظلوم فلا يوجد بينها وبين الله حجاب، إياك أن يراك المظلوم تقف مع الظالم أو تبتسم له فيدعوا عليك وعليه معا، فيغضب الله عليك كما غضب عليه، إياك أن تمشي على أرض الله وتحت سمائه وأنت ظالم، حيث يقول الله تعالى: {... فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (الأعراف: الآية٤٤)، فالظالم ملعونا لا يفلح أبدًا لا في الدنيا ولا في الآخرة، يقول تعالى: {... إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (القصص: الآية ۳٧) فمهما كان مع الظالم أنصار ليساعدوه فإنهم في النهاية سيتخلون عنه {...وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (المائدة: الآية ٧۲) إياك والظلم، إياك وأن تعدل مع الناس وتظلم أهل بيتك، إياك وظلم زوجتك، إياك وضربها أو إهانتها أو أن تعيّرها بأهلها أو تحرمها حقوقها، إياك وظلم أولادك في المعاملة، إياك وظلم أبويك بسوء المعاملة إلا أبويك فدعوتهما مستجابة سواءً إن كانت الدعوة لك أم عليك، إياك وظلم نفسك بأن تسكت وتقبل بالذل فتعتاد عليه فتصبح ظالما لنفسك.

إياك أن تدخل رمضان وأنت تظلم. هل تريد أن يعتقك الله هذا العام؟ هل ترغب في بلوغ ليلة القدر؟ هل تريد أن يكتب الله لك قصرا في الجنة ويغفر لك؟ لا يمكن وأنت ظالم وذلك لقوله تعالى: {...وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (هود: الآية ٤٤) وقوله أيضا: {... وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (البقرة: الآية ۲٥٨) ، أترى خطورة الموضوع؟ إذًا ما هي قيمة اليوم؟ قيمة اليوم هي العدل فلا بد منه، هل أنت مستعد لكل ذلك؟ فما بالك بيوم القيامة؟ يقول تعالى: {...إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا } (الكهف: الآية ۲۹) هذا عقاب الظالمين فإذا دعتك قوتك أن تظلم الناس فتذكر قوة الله عليك {...وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا...} (البقرة: الآية ١٦٥)، فالله تعالى أقوى من الجميع، هناك دائما قانون يقول بأنه إذا ظلمت يسلط الله عليك من يظلمك فيأخذ حق المظلوم منك، وكما ظَلمت يأتي من يظلِمُك ويؤذيك وينتقم منك، وتعالوا نعود لقصة سيدنا موسى.

ذبح فرعون لذكران بني إسرائيل:

ذكرنا من قبل أن بني إسرائيل قُتل منهم أطفالهم، وكانوا أطفالاً رضعا، فكان الجنود يتركون الإناث ويأخذون الذكور فيذبحونهم ويلقون بهم في النيل. عشرة أطفال ولم تعلم بنو إسرائيل ما الأسباب؟ أو ما الجريمة التي ارتكبوها؟ ومن وراء هذه الجريمة؟ أو حتى لمن يشتكون؟ ففكروا أن يرفعوا الأمر لفرعون ويشتكون إليه، ولكن هل سيصل صوتهم إليه؟ أصعب شيء أن تُظلَم ولا تستطيع أن توصل صوتك إلى ولي الأمر، فأخذوا يستقصون الأمر وكانت المفاجئة أن من أصدر قرار ذبح الأطفال كان فرعون نفسه، أصابت بني إسرائيل مصيبة فقد أصدر فرعون قانون منذ شهر بقتل الذكور من بني إسرائيل، وقد قتل حتى الآن عشرة ولكن بعد ذلك سيصل العدد إلى ألف طفل ذبيح، وقد سمع بهذا الكلام عائلة مكونة من أم وأب وأطفالهما الاثنين، اسم الأم "يوكابد" وهي أم مؤمنة مخلصة قوية، واسم "يوكابد" في اللغة العبرية القديمة معناه عزيزة أو كريمة، يبدو أن من أسماها بذلك شعر بالأزمة التي يعيشها بنو إسرائيل من ذل، فأحب أن تكون ابنته غير ذلك فأسماها عزيزة أو كريمة هذه هي الأم، أما الأب فاسمه "عمران" وجدّ هذا الأب هو سيدنا يعقوب هؤلاء هم عائلة سيدنا موسى عليه السلام. تعالوا معنا لنعرف شجرة العائلة الخاصة بسيدنا موسى ونعرف من هم أجداده ومن أين أتى؟ ومن أين أتى أبوه عمران؟

شجرة العائلة الخاصة بسيدنا موسى:

تبدأ شجرة العائلة بسيدنا يعقوب فهو الجد الأكبر لسيدنا موسى، وتحت سيدنا يعقوب ستجد الاثنى عشر أخا لسيدنا يوسف، ومن أخوة سيدنا يوسف أخ يسمى "لاوي" من نسله "عازر" فـ" قاهث". ينحدر بعد ذلك عمران وأخيرًا الأخوة الثلاثة: مريم وهارون وموسى عليه السلام، وبالمناسبة بين سيدنا موسى وسيدنا يوسف أربعمائة عام، فسيدنا يوسف هو أخو جده.

ولكن تعالوا نعود إلى سيدنا موسى، لما وقع الظلم على بني إسرائيل؟ وما السبب الذي جعل فرعون يذبح أولادهم؟ أم أنهم فعلوا شيئا ما؟ لكي نجيب على هذا السؤال يجب أن نعود إلى الوراء منذ أربعمائة عام مضت، فنعود لعصر سيدنا يوسف، لماذا جاء بنو إسرائيل إلى مصر من الأساس؟ وماذا حدث خلال الأربعمائة عام؟ وهل جاءوا معززين مكرمين أم جاءوا مذلولين؟ وما الذي حدث لهم خلال الأربعمائة عام حتى يصلوا لذبح أولادهم و يأتي سيدنا موسى في النهاية ليخلصهم؟ لنعد إلى الوراء أربعمائة عام، ظَلم بنو إسرائيل فظُلِموا، وظَلم غيرهم فجاء من يظلِمه واستمرت الدائرة إلا واحد منهم كان عادلاً فظل كريما محترما عزيزا، ولم يكن سيدنا موسى قد ولد بعد، لكي يعلمنا الله ألا نظلم، فالقصة كلها مبنية على خطورة الظلم في تاريخ البشرية.

كيف دخل بنو إسرائيل مصر؟

كان هناك طفل صغير يسمى يوسف عليه السلام ألقي في البئر فجاءت السيارة فأخذوه وباعوه لعزيز مصر وعاش في بيت عزيز مصر وربته امرأته فكبر، ثم راودته امراءة العزيز وعندما رفض تم إدخاله السجن، وحصلت بعد ذلك المجاعة والأزمة الاقتصادية بمصر فأصبح عزيز مصر ثم أصبح وزيرا مشهورا وأتى بعائلته، فكان يوسف عليه السلام أول من دخل إلى مصر من بني إسرائيل وهو طفل صغير. أترون تدبير الله عز وجل وكيف يدير الله الكون؟ كيف أن حدثا مثل رمي طفل صغير في البئر يكون سببا في تغيير مجرى تاريخ أمة وأمم أخرى كثيرة غيرها؟! عندما حدثت بمصر مجاعة شديدة رأى الملك رؤيا بأن سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وأمر الملك وقتها أن يخرجوا يوسف من السجن معززا مكرما- انظر إلى بداية سيدنا يوسف معززا مكرما وانظر إلى نهايتهم وكيف سيصبح الظالمون مذلولين بسبب الظلم؟!- سيكون سيدنا يوسف معززا لدرجة أن الملك سيقول كما جاء بالآية الكريمة { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ{٥٤} قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِن الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ{٥٥} وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ .... {٥٦} } (سورة يوسف)، يقول خزائن الأرض وليس خزائن مصر لأن مصر كانت في هذا الوقت أقوى حضارة في العالم وبالتالي، عندها كل خزائن الأرض، فكان سيدنا يوسف عليه السلام هو أشهر وزير في تاريخ مصر القديمة.

تُرى من كان الملك الذي حكم مصر في هذا الوقت؟

لقد حكم مصر في هذا الوقت قوم يسمون بالهكسوس، ولقد حكم الهكسوس مصر حوالي مائتي عام وذلك في خلال فترة وجود سيدنا يوسف بمصر. لم يكن الهكسوس من مصر وكانت أول مرة تحكم مصر القديمة من قِبل غير المصريين، ولهذا كان المصريون مستائين جدا لأن من يحكم بلادهم هم في الواقع أغراب. أتى الهكسوس من أواسط آسيا ناحية الصين، كانت قبائل نزحت لظروف اقتصادية وكانوا أجناسا مختلفة تركت وسط آسيا واحتلوا العراق ومن ثم الشام ومن ثم فلسطين، وبعد ذلك دخلوا مصر فاحتلوها لمائتي عام، وظلموا المصريين ظلما شديدا، فكره المصريون الهكسوس كرها شديدا، لأن المصري بطبيعة الحال عزيز ولا يقبل أبدا أن تُحتَلّ أرضه حيث لم يحدث هذا في التاريخ المصري من قبل.

تولي سيدنا يوسف للوزارة في عهد الهكسوس وسياسته مع الشعب:

كان الهكسوس يعلمون أن المصريين يكرهونهم فبحث الهكسوس عن أجناس أخرى غير المصريين ليساعدوهم، فوجدوا شخصا عبقريا عظيما يسمى يوسف عليه السلام، فسلموه إدارة الأزمة الاقتصادية العالمية كالأزمة الاقتصادية التي نجد أنفسنا بها الآن- من الجميل جدا أن تسمع عن مؤمن عابد لله وتقي يرفض المعصية وفي الوقت نفسه يدير أزمة اقتصادية إن سيدنا يوسف نموذج غير عادي- فقام الهكسوس بتولية سيدنا يوسف للوزارة لأنه غير مصري فهو من بني إسرائيل.

تولى سيدنا يوسف الوزارة وكان يعلم بالمشكلة التي بين الهكسوس والمصريين، كيف سيحلها سيدنا يوسف؟ هل سيُشاهد في الصورة مع الهكسوس وهو ظالم؟ هل سيُشاهد وهو غير ظالم ولكن في الوقت نفسه يساعد الهكسوس؟ اختار سيدنا يوسف العدل، كيف؟ لقد تولى سيدنا يوسف جميع خزائن العالم بمصر، فهو من يبعث بالطعام لجميع المناطق العربية فوضع سيدنا يوسف قانون يسمى "حمل بعير" أي أن أي مواطن سواء كان مصريا أو من الهكسوس أو من عائلته أو أيًّا من كان ليس له إلا حمل بعير محملا بالغذاء، أتذكرون الآية حين قال لأخوته: {... وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } (يوسف: الآية٧۲) به زعيم أي أن يوسف عليه السلام مسئول أن يحصل كل فرد على حمل بعير، ولأنه عادل فقد ظلت سيرته عطرة فأحبه المصريون وأحبه الهكسوس، ومهما تغيرت أحوال الدنيا فهو غالٍ لأنه عادل. إياك والظلم، إياك وظلم النساء، إياك وظلم الأيتام، إياك وأكل حقوق الناس، إياك ألا تعطي حق الموظف البسيط له، إياك أن تدخل رمضان وتؤدي العبادات وأنت ظالم يقول تعالى: {... وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (هود: الآية ٤٤).

لقد كان سيدنا يوسف رمزًا للعدل فظل غاليًا، ولكن لما لم تبق آثاره؟ لأن قدماء المصريين لم يخلدوا آثار سيدنا يوسف فبعد أن غادر الهكسوس مصر أزال المصريون كل آثارهم بما فيها آثار سيدنا يوسف، لكنه بقي في نفوس المصريين كرمز غالٍ كبير. وبعد أن أتى سيدنا يوسف إلى مصر واستقر بها استأذن ملك الهكسوس أن يحضر عائلته إلى مصر، وكانت هذه بداية دخول بني إسرائيل لمصر ولقد كان هذا في عهد الهكسوس - هنا نتطرق إلى نقطة مهمة: متى بنيت الأهرامات؟ بنيت منذ آلاف السنين فقد بنيت في عهد خوفو وخفرع، فقد كانت مصر مقسمة إلى أسر وقد بنيت الأهرامات في الأسرة الثالثة، وقد دخل الهكسوس مصر في الأسرة السادسة عشر، وهذا يهدم ما يزعمه اليهود الآن من قضية بنائهم للأهرامات، فهذه مغالطة تاريخية أدحضها الآن، لقد بنيت الأهرامات في الأسرة الثالثة أما دخول الهكسوس وسيدنا يوسف وبني إسرائيل لمصر فقد كان في الأسرة السادسة عشر.

بعد موافقة ملك الهكسوس وترحيبه بمجئ عائلة سيدنا يوسف أتى سيدنا يعقوب ومعه الأخوة الاثنا عشر. إذًا، فبداية دخول بني إسرائيل لمصر كانت بدخول سيدنا يعقوب وأخوة يوسف الاثنا عشر، كان مجموع عدد من دخل مصر من بني إسرائيل ستين فردا وكانوا جميعا أسرة سيدنا يوسف وهم سيدنا يعقوب والأخوة الاثنا عشر وأبناؤهم وأحفادهم، فدخلوا مصر ٦۰ فردا ولكن عندما خرجوا منها كانوا ستمائة ألف.

الأرض التي أقام عليها بنو إسرائيل:

أحب ملك الهكسوس أن يكرم سيدنا يوسف فأراد إعطاءه أفضل أرض زراعية بمصر، طبعا هذه الأرض من قوت وجهد وتعب المصريين، فرفض سيدنا يوسف حتى لا يكون مع الظالم ضد المظلوم، ولقد رفض بطريقة مهذبة ذكية، فقد قال له إنهم قوم لا يحترفون الزراعة ولكنهم يحترفون الرعي، وبالتالي طلب منه إعطاءه أرضا صحراوية بعيدة عن قلب مصر، حتى لا يكون قد أخذ حق المصريين، فأعطاه الملك أرض جاسان، وكانت أرض جاسان صحراوية لا يهتم المصريون بها، لأن المصريين يحترفون الزراعة وليس الرعي، وأتى يوسف بأهله، تقول الآية الكريمة: {... وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ} (يوسف: الآية۹۹)، لقد دخل سيدنا يعقوب وأخوة يوسف الاثنا عشر مصر كضيوف، لو أتى شخص ما إلى بيتك كضيف فبعد عشرين عاما سيظل ضيفا، فلا يكون له الحق أن يقول هذه الأرض حقي لأنه ضيف، ولقد ذكرها القرآن في الآية السابقة واضحة فليس لهم أي حق، والعجيب أن سيدنا موسى عندما أتى بعد أعوام طويلة طلب من فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل، فقد كانوا ضيوفا ليعودوا معه، أترون هذه الحقائق؟ أترون كم توضح هذه المعلومات كثيرا من الحقائق.

موت سيدنا يوسف وسياسة أخوته من بعده:

عاش سيدنا يوسف هو وأخوته من بني إسرائيل في أرض جاسان، وقد فرح المصريون كثيرا بوجود مثل هذا الشخص العادل بينهم، لقد أدى كل من سيدنا يعقوب وسيدنا يوسف رسالته.

ويموت كل من سيدنا يعقوب ثم سيدنا يوسف ويدفنا في أرض مصر، وقبل أن يموت سيدنا يوسف كان يعلم أن أخوته لن يحافظوا على ما عمله، فتنبأ نبوءة وهي أن رجلا من بني إسرائيل سيظهر الحق ويكسر الظلم ويخرج بني إسرائيل من الذل إلى الانتصار، وبعد موت كل من سيدنا يعقوب وسيدنا يوسف عليهما السلام غير بنو إسرائيل ما كان في عهد أخيهم، لم يظلموا ولكنهم وقفوا مع الهكسوس على حساب المصريين، رأوا ظلم المصريين بأعينهم ولم يتدخلوا فرفعوا شعار (إنه أمر لا يعنيني) وهذا في حد ذاته ظلم، فهو طالما أمر لا يخصني فهو إذًا لا يعنيني وطالما أنها ليست عائلتي ولا أولادي إذا فليُظلَموا، ولقد رأى المصريون ذلك، وزاد الطينة بلة عندما أرادوا مجاملة الهكسوس على حساب المصريين فإذا رأوا مصريا يضرب بالسوط قالوا إنه يستحق ذلك ليرضوا الهكسوس، وبدأ المصريون يرون بني إسرائيل في الصورة مع الظالم، فكرهوهم وبدأوا يدركون أن هناك فارقا كبيرا بينهم وبين سيدنا يوسف وبدأت الكراهية الشديدة لهم حتى ترسخ في أذهان المصريين أنهم والظالمون سواء وأن بني إسرائيل مثلهم كمثل الهكسوس، ودارت الأيام وأتى شخص يسمى "أحمس" وطرد الهكسوس من مصر، وكما ظلم الهكسوس جاء أحمس ليذلهم ذلاً شديدا، وكل من وقف معهم تخلى عنهم {...وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (البقرة: الآية۲٧۰). أرأيت دائرة الظلم؟ كما تظلِم ستُظلم، وتتبعهم أحمس بعد أن طردهم من مصر حتى وصلوا سوريا فتبعهم وقتلهم قتلا شديدا حتى قضى عليهم ومن بعدها اختفى الهكسوس وذلك لأنهم ظلموا. إياكم والظلم فهو دائرة إياكم أن تظلموا والديكم أو زوجاتكم أو أزواجكم، إياكم وظلم خادم أو خادمة إياكم، وظلم الأيتام والأرامل.

وعلى الباغي تدور الدوائر:

وجاء الدور على بني إسرائيل فبمجرد قضاء أحمس على الهكسوس جاء الدور على أعوانهم من بني إسرائيل وهذا درس كبير، فبدأ ينتقم منهم انتقامًا شديدًا وهنا بدأت تتغير حياة بني إسرائيل من العز إلى الذل لأنهم كانوا مع الظالمين، إياك أن تركن إلى ظالم انظر ماذا تقول الآية: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} (هود: الآية ١١۳) تحذرنا الآية ألا نستعين بظالم أو نستند إليه ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم-: (إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول: إنك ظالم، فقد تودع منهم) أي لا فائدة منهم، ويقول النبي– صلى الله عليه وسلم- أيضا: (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يوقع بكم عذابه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم) لأنهم ظالمون.

ماذا سيحدث لبني إسرائيل؟

سيحدث لهم أشياء شديدة فقد سكتوا عن الظلم، وغيروا عدل يوسف، وشوهدوا في الصورة مع الظالمين فماذا سيحدث لهم؟ حدث لبني إسرائيل ستة أشياء غيرت خارطة مصر؛ فقد قلنا أن الظلم يجلب الظلم والظلم أيضا يجلب الانتقام كما أنه يجلب الذل وطالما أنك لست ظالما حتى ولو كنت مظلوما فإنك بأمان كبير من غضب الله عز وجل، يجب أن تراجعوا حساباتكم لو أنكم أزواج أو زوجات أو آباء أو لديكم موظفون، فراجعوا أنفسكم حتى يبارك الله لكم في رمضان.

بعد أن انتصر المصريون وطردوا الهكسوس التفتوا إلى بني إسرائيل الذين كانوا أعوانا للهكسوس فغيروا ما بدأه يوسف عليه السلام، فتغيرت المعادلة تغيرًا كبيرًا من يوسف الداعي للعدل والرحمة وعدم الظلم إلى منتهى الذل لبني إسرائيل. إياكم والظلم أرأيتم ما حدث للهكسوس؟ وما حدث لبني إسرائيل، إن أحمس ومن جاء بعده من الفراعنة أيضا ظلَموا ظلما شديدا، أحيانا تكون مظلوما فتحاول أخذ حقك فتظلم غيرك فتتسع دائرة أخذ الحق فتتحول إلى ظالم فيرسل الله من يظلمك وهذا ما سيحدث لفرعون في النهاية.

حدث لبني إسرائيل على يد الفراعنة ستة أشياء:

أولاً: حولوهم كلهم من أحرار إلى عبيد، ولهذا قال فرعون في قصة سيدنا موسى كما جاء في الآية الكريمة: {... وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} (المؤمنون: الآية ٤٧) أي أنهم عبيد لدينا فقد تحول بنو إسرائيل بقرارٍ من أحرار إلى عبيد.

ثانيا: طردوا من أرض جاسان التي سكنوا بها عندما دخلوا مصر وصودرت ممتلكاتهم وتحولوا من أغنياء إلى فقراء لا يملكون شيئا.

ثالثا: طردوا من أحيائهم وبنيت لهم بيوت طينية وأكواخ ضعيفة على النيل وتحولوا إلى أحياء فقيرة جدا بعدما كانوا يسكنون إلى جانب ملوك الهكسوس.

رابعا: فرقوهم فلم يعودوا يسكنون إلى جانب بعضهم البعض فأصبح بعضهم في حي شمال النيل والبعض الآخر جنوب النيل حتى لا يصبحون معا قوة أو وحدة.

خامسا: حرموهم من التعليم لكي يظلوا على جهلهم.

سادسا: أجبروهم على العمل الشاق ليل نهار بلا أجر، بالمناسبة أيهما أسوأ البطالة أم العمل بلا أجر؟ أتعرفون أن العمل بلا أجر أفضل من البطالة؟ على الأقل فإنك استمتعت بإنتاج منتج معين، أما البطالة فلا أنت عملت ولا أنت أخذت أي أجر، إن كثيرا من الشباب في بلادنا مظلوم بسبب موضوع البطالة.

وصف للمدينة التي عاش بها بنو إسرائيل ومن بعدهم موسى:

تخيلوا معي المدينة التي عاش فيها بنو إسرائيل في وقت فرعون قبل أن يأتي سيدنا موسى، وتخيلوا كيف تفرقوا؟ وكيف سكنوا العاصمة التي كانت تسمى: برعمسيس والتي ستجري بها أحداث قصة سيدنا موسى، وتقع برعمسيس حاليا في الشرقية ناحية بلبيس، ومعنى اسم المدينة برعمسيس كلمة بر رع تعني بيت الإله رع والمتمثل في رمسيس، وعلى خريطة مصر نجد فرعي النيل وقد كان هناك العديد من فروع النيل ومنها ما يصل لهذه المدينة قبل أن تنطمس هذه الفروع، نجد في الأعلى مساكن بني إسرائيل في الشمال، أما بالأسفل فيوجد أرض جاسان التي سكنوا بها ثم طردوا منها في النهاية، وبجانبها بيوت بني إسرائيل الأخرى، إذن يوجد حي في الشمال لبني إسرائيل وحي آخر في الجنوب لبني إسرائيل ويمر الاثنان على النيل، انتبهوا جيدا لهذه الخريطة فأم موسى حين ستلقيه في النيل سيمر على هذه الخريطة، أما قصر فرعون وهو القصر الملكي فموجود في منتصف الخريطة، إذن فبيوت بني إسرائيل في الأعلى وأيضا بيوت بني إسرائيل بالأسفل ويوجد القصر الملكي بالمنتصف، وحينما ألقت أم موسى "موسى" في النيل كانت تسكن الحي الجنوبي فجرفه التيار بالنيل حتى وصل إلى القصر الملكي وهو قصر فرعون، أما شمال قصر فرعون تجد معبد رع وبجانبه معبد آمون، هذه هي المدينة التي سيكبر بها سيدنا موسى وأيضا هي نفسها المدينة التي عاش بها بنو إسرائيل، أرأيتم هذه الصورة؟ ربما هي المرة الأولى التي تتخيلون فيها هذا المنظر.

إياك والظلم لقد وصل الظلم ببني إسرائيل إلى شيء أسوأ فقد أصبحوا في ذل شديد فتعودوا أن يظلموا فيسكتوا فأصبحوا ظالمين لأنفسهم، أيضا عندما قبلوا وسكتوا واعتادوا على الظلم، فوصل بهم الذل أن يذبح أولادهم أمام أعينهم دون أن يستطيعوا التحرك. وصل الأمر أنه إذا ذكر فرعون ارتجف بنو إسرائيل خوفا حيث تقول الآية الكريمة {... يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ ...} (الأعراف: الآية١٤١).

لما كان فرعون يقتل الذكور ويترك الإناث؟

لقد كان ذلك لسبب خبيث فقد أراد فرعون أن يصنع خللاً في نسبة الإناث إلى الذكور، فيزيد عدد الإناث على الذكور فيصبح هناك عدد كبير من الفتيات التي لا تجد رجالاً ليتزوجوهن ويحموهن، فيكون هذا أيسر في انحرافهن إلى الرذيلة. هل كانت هذه هي خطة فرعون؟ يالها من خطة خبيثة بالفعل! وهل قبل بنو إسرائيل هذا الذل؟ نعم قبلوه. إياك أن تظلم نفسك بأن تعتاد على الإهانات وتسكت، إياكم أيها الآباء من ضرب أولادكم وخاصة أمام أصدقائهم أو حتى أمام أخوتهم، إذا أردت عقاب أحد الأبناء فخذه إلى غرفة وحدكما. إياك أن تذل نفسك بمعصية أو أن تجري وراء معصية حتى تذلك.

لقد وصل بنو إسرائيل لقمة الحضيض في الذل فكانوا يرون أبناءهم يذبحون فيسكتون ويخافون، كانت بناتهم تستحيا أمامهم لتتجه إلى الرذيلة ولا يستطيعون أن يتكلموا أو يعترضوا. يا جماعة، إن الذل يشوه النفس أشد من التشوهات التي تحدث لو أن ماء النار ألقي على الوجه، لهذا كانت رسالة سيدنا موسى في منتهى الصعوبة، ستبدأ بلا إله إلا الله لأن هذه العبارة معناها أنه لا ذل ولا خضوع إلا لله.

أرأيتم كيف أن موضوع الظلم كبير، لهذا تكررت قصة سيدنا موسى في القرآن مرات عديدة فعدد سور القرآن (١١٤) سورة؛ خمسون سورة منها ذكرت قصة سيدنا موسى، لأن أكبر مشكلة في تاريخ البشرية هي الظلم والذل.

بماذا نستفيد من هذا في النهاية؟ نستفيد بأن الحياة مليئة بالكثير من المظلومين والظالمين، أريد أن أختم بكلام لكلا الطرفين: بالله عليك - سواء كنت ظالمًا أو مظلومًا- راجع نفسك، أيها المظلوم لو اشتد الظلم عليك ولا تدري ماذا تفعل؟ ارفع يديك وادعو الله والجأ لأكبر قوة في الدنيا. أيها الظالم إذا وجدت المظلوم ضعيفا أمامك فانتبه بأن وراءه قوة عظمى هي قوة الله تعالى فلا تستهن بضعفه. أيها المظلوم أريد أن أبلغك رسالة أخرى إن من أسخف الأشياء في الدنيا أن تكون مظلوما وليس بيدك حيلة ولا ترفع يديك لتدعو الله.

يا جماعة، أتدرون أن أول خطوة لخروج بني إسرائيل مما كانوا فيه هو دعوة مظلوم كدعوة الأمهات التي ذبح أبناؤهن، دعوة المظلوم هي ما غيرت الدنيا، اتقوا دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب يرفعها الله فوق الغمام يقول له وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين، أيها المظلوم ارفع يديك وقل: يا رب. أيها الظالم أحيانا تظلم شخصا ضعيفا ومن شدة خوفه منك لا ينبس ببنت شفة ولكن قد يقول قلبه: يا رب، فيقول الله وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ليس بينها وبين الله حجاب. أيها المظلوم، لو اشتد الظلم بك فتحمل واصبر كما تقول الآية: {... إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر: الآية١۰)، فتأتي يوم القيامة لتقف للحساب أنت وباقي الناس، فيقول الله لك لقد ظلمت وصبرت فإلى الجنة بغير حساب. أيها الظالم احذر عقوبة الله في الدنيا قبل الآخرة.

يحدثني الأستاذ راتب النابلسي وهو من علماء سوريا العظام ويحكي القصة ويقسم عليها ولقد كتبها في كتابه حيث يقول إن شابا مستهترا ظالما كان يسرع بسيارته ليري أصدقاءه الذين معه بالسيارة كم هو ماهر بالقيادة! كان هذا بفصل الشتاء وعلى الطريق الصحراوي، فوجد كلبا من شدة البرودة قد مد رجليه على الأسفلت بدلا من الرمل لأنه أدفأ، فقال الشاب لأصدقائه بأنه سيثبت لهم مهارته بالقيادة حيث سيمر على أرجل الكلب دون أن يقتله، فداس الشاب على أرجل الكلب فصرخ الكلب، ولكن الله لا يقبل الظلم يقسم الأستاذ راتب النابلسي أنه بالأسبوع الذي يليه وبينما الشاب نفسه يقود سيارته وجد أن أحد عجلات سيارته قد أفرغت الهواء، فنزل الشاب من سيارته ليصلح العجلة ونزل على ركبته بينما سيقانه للخلف فأتت سيارة مسرعة ومرت على ساقيه ففقد ساقيه كما هو حال الكلب المسكين! أيها الظالم، احذر عقوبة الله. أيها المظلوم، ارفع يديك وقل يا الله ليهتز لدعوتك عرش الرحمن وعزتي وجلالي لأنصرنك. إياكم والظلم، يا جماعة، التزموا بالعدل. وقصة اليوم لقد ظلَم بنو إسرائيل فظُلِموا، وظلَم الهكسوس فظُلِموا، وظلَم الفراعنة فسيحدث لهم الشيء نفسه فيُظلَموا وربك المنتقم. اعمل ما شئت فكما تدين تدان.
 
سلام
شكرا لك اخي واضن ان في الموقع تستطيع تحميل الحلقات
تحياتي
 
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.



تذكرة:

قبل أن نبدأ يجب أن نراجع بعض المعاني الأساسية التي يجب أن نحافظ عليها طوال رمضان، أولًا: النية، هناك كلمة جميلة تقول: "أحيانًا عمل صغير تكبره النية، وأحيانًا عمل كبير تصغره النية، من الممكن أن يأتي رمضان ونيتك صغيرة، أو تقوم بعمل صغير ولكن نيتك مع الله كبيرة فيبارك الله في هذا العمل، ويصبح مصدرًا لعزتك ورفعتك ورضى الله عليك في الدنيا والآخرة. فما هي نيتكم في رمضان؟ "ما خطا عمر بن عبد العزيز خطوة إلا وله فيها نية"، لا يكفي أن تقول أنا صائم! ولكن ضع نية كبيرة، نية توبة إلى الله، أو إيقاف سلوك سيء في حياتك، أو الانتقال من الفشل إلى النجاح بسبب رمضان وطاقته هذا العام، أو بنية سأعبد الله كما لم أعبده من قبل، سأعيش لله، سأعيش للإسلام، سأقدم شيئًا كبيرًا للإسلام، سأنصر المسلمين من مجالي...إلخ. فرمضان فرصة وطاقة تمدك للعام القادم.



ثانيًا: القرآن، شعارنا هذا العام "سنحيا بالقرآن"؛ القرآن الذي سماه الله تبارك وتعالى نورًا وهداية ورحمة وشفاء وروحًا. أتمنى أن نعيش بالقرآن هذا العام فنكون مثل الصحابة، ما رأيك أن نقلد الصحابة لمدة شهر واحد في العام ونعيش مع القرآن؟، نكون مثلًا مثل سيدنا عبد الله بن عباس، يقول: (كنا إذا سمعنا {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا..} انتفضنا وقمنا قائلين "نعم يا رب" لأن الله يحدثنا)، أو نكون مثل الأحنف بن قيس الصحابي الجليل الذي قال كلمة جميلة: (كنت أقرأ القرآن وأسمع الآية {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ...} (الأنبياء:10) فكنت أقرأ القرآن كل يوم وأرى كيف يذكرني الله اليوم، فيفتح القرآن ويقرأ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ...} (الأنفال:2) فيقول: "لست من هؤلاء" ثم يفتح اليوم الذي يليه فيقرأ {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ...} (التوبة:67) فيقول: "لست من هؤلاء"، ثم يفتح اليوم الذي يليه فيقرأ {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التوبة:102) فيقول: "أنا من هؤلاء") "ذكركم" أي شرفكم وأخباركم وكيف يجب أن تعيشوا وكيف تأخذون قراراتكم في حياتكم، أترى كيف كان يشعر بالقرآن؟ هيا نعيش مع القرآن ثلاثين يومًا، وقصة سيدنا موسى ذكرت في خمسين سورة، أي ربع القرآن، ستفهم خمسين سورة في القرآن، فهذه فرصة لتفهم وتحب وتشعر وتتذوق حلاوة القرآن.



حملة "سنحيا بالقرآن":

سنقوم بعمل حملة لأول مرة في رمضان لتحبيب الناس في القرآن ونأخذ ثوابها جميعًا، هيا نقوم بنشر ملصق مكتوب عليه "سنحيا بالقرآن"، وهدفه هو تذكير الناس بأننا سنحيا بالقرآن. يمكنك تنزيله من موقع www.amrkhaled.net ووضعه في كل مكان يمكن للناس أن تراه فيه، في العمارة أو في المنزل أو في أي مكان، لتذكر عائلتك وجيرانك والناس في كل العالم العربي والإسلامي أننا سنحيا بالقرآن وتأخذ ثواب كل من سيراه. الهدف هو أننا لدينا هدف كبير وهو عشرة ملايين ختمة لمتابعي هذا البرنامج فقط، وقد قمنا بوضع عداد على www.amrkhaled.net لتقوم بإدخال عدد الختمات التي تقوم بها أنت ومن لا يستطيعون الدخول على شبكة الإنترنت، فعندما يأتي الخامس والعشرون من رمضان نجد عشرة ملايين ختمة، فيقول الله لنا يوم القيامة أنتم من اشتركتم في عشرة ملايين ختمة، ويكون لنا مكان خاص.



سنوفر لكم على موقع www.amrkhaled.net عدة أشياء: ملصق "سنحيا بالقرآن"، والحلقات كاملة لتشاهدونها وتنشرونها كما تشاؤون، بالإضافة إلى مسابقة رمضانية والعديد من الأشياء الأخرى، كما سألتقي بكم يوميًا للدردشة. بعد الحلقة يوميًا ادخلوا على الموقع واكتبوا خاطرة أو قصة أو تعليق، وستكون هناك جائزة يومية لأفضل تعليق أو مداخلة لها علاقة بالقيمة اليومية.



مقدمة

نحن نتحدث كل يوم عن قصة متسلسلة من قصة سيدنا موسى، ونتحدث عن قيمة من قيم القصة، لأن قصة سيدنا موسى متداخلة مع القيم والأخلاق تداخلًا عميقًا، لأن هدفي ليس هو حكاية القصة فقط بل ترسيخ القيم، فرصيد القيم أهم من رصيد البنوك، رصيد البنك ينفد ولكن رصيد القيم يبني أممًا، انتبه من أن تهتم برصيد البنك أكثر من رصيد القيم والأخلاق، لا تقل لابنك: لقد تركت لك رصيدًا بنكيًا بكذا ولكن قل له: لقد تركت لك رصيدًا من القيم.



الحلقة الأولى كانت المشهد الوحشي لذبح الأطفال وإلقائهم في النيل أمام أمهاتهم، الحلقة الثانية كانت تحكي كيف قام بنو إسرائيل بالوصول إلى مصر ودخولها أيام سيدنا يوسف، والقيمة الأساسية كانت إياك والظلم، وبعد الحلقة وجدت شابًا يقول لي: لقد أصابني بعض الضيق بعد الحلقة، لأني شعرت أنني متعاطف مع بني إسرائيل لأنهم ظُلموا كل هذا الظلم وأنا لدي موقف معين من بني إسرائيل، فشعرت أنه يجب أن أقول معنى هامًا جدًا، فقيمة أمس كانت إياك والظلم، فردي على الشاب هو أن الإسلام علمنا أن يكون لدينا موقف ثابت وقيمة كبيرة، لا للظلم، فرعون ظلم بني إسرائيل، ومن ظُلم بالأمس هو من يظلم اليوم إخواننا في فلسطين، أنت لديك ثبات في القيم والأخلاق فترفض الظلم وهذا من حلاوة الإسلام، أنك تتعاطف مع المظلوم حتى لو كان الظالم مصريًا وأنا مصري. لذلك لنفس هذا السبب أنا أرفض أن يُظلم إخواني اليوم، لا للظلم في كل زمان وكل مكان.



سنتحدث اليوم عن مصر وعن الشخصيات الرئيسية أمام سيدنا موسى، ونبدأ نرسم صورة لمهمة سيدنا موسى، لأننا سنتحدث في المرة القادمة عن مولد سيدنا موسى، فاليوم هو آخر حلقة في المقدمة لتتعرف على الظروف والأحوال.



سيدنا موسى

نبدأ ببطل القصة وحبيبنا سيدنا موسى القائد العظيم، يجب أن تحب سيدنا موسى، والنبي يحبه حبًا شديدًا والله كذلك. انظر إلى كم الآيات التي يثني الله فيها على سيدنا موسى في القرآن! ربع القرآن، والنبي صلى الله عليه وسلم يتأسى بسيدنا موسى، يقول الله تعالى لسيدنا موسى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (طه:41) اختصه الله من بين البشر ليكون كليم الله، ولم يرق لهذه المنزلة بشر إلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في المعراج.



إذا أردت أن تعرف إنجاز أي شخص أو قائد انظر إلى الظروف التي نشأ فيها، فكلما كانت الظروف صعبة كلما كان هذا القائد عظيمًا. يُقال أن العظماء مائة وأعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه أتى في ظرف كان فيه العالم في وضع سيء للغاية ولكنه صلى الله عليه وسلم غير العالم في ثلاثة وعشرين عامًا، ومازال أثر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم موجودًا إلى اليوم، فلكي تعرف إنجاز سيدنا موسى يجب أن تعلم ظروف مصر في هذا الوقت، فسيدنا موسى حمل أضخم تكليف بشري في تاريخ الكون بعد سيدنا محمد صلى الله عيه وسلم، أكبر قصة لمواجهة الظلم في تاريخ البشرية، سيقف أمام فرعون وحده، فرعون هو أعتى جبابرة الأرض، لا تقل هتلر، بل مليون ضعف! من قتل آلاف الأطفال وذبحهم؛ قتل عشرة آلاف مصريًا في الصحراء في يوم واحد، وسيواجهه سيدنا موسى في وسط كل هذا، وسيدعوه هو والمصريين إلى لا إله إلا الله، وأراد أن يحرر بني إسرائيل من الذل إلى الحرية والعز، وأراد أن يخرج بني إسرائيل من مصر {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} (الشعراء:17) ليبني بهم أمة جديدة.



الإخلاص:

إن أعظم مؤهل من مؤهلات سيدنا موسى والقيمة التي ساعدته على مواجهة كل ذلك هي الإخلاص، قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا...} (مريم:51) فأول صفة هي أنه كان مخلصًا لله، وهذه هي قيمة اليوم. ففي وسط كل هذه الظروف والظلم كان يواجه فرعون لأنه كان مخلصًا لله، فإذا نشأ جيل مخلص يحب بلده ودينه يتغير وجه المسلمين وتتغير الأرض.

فالإخلاص هو أن لا تبتغي بعملك أي شيء إلا الله، أن لا ترى إلا الله، أن لا تطلب شاهدًا على عملك إلا الله، أن لا تريد من الدنيا والناس شيئًا ولا أموالًا ولا ثناءً ولا شكرًا، ولكن رضى الله هو الهدف، وأصبح كليم الله لأنه من أعظم المخلصين في تاريخ البشرية، سيدنا موسى لم يأخذ شيئًا، لم يأخذ رئاسة ولا أموالًا ولا أي شيء، عاش مهددًا ومطاردًا من ترحال إلى ترحال مهددًا بالموت من المولد إلى الوفاة.



النبي صلى الله عليه وسلم يحب سيدنا موسى ويقول: ( لا تفضلوني على موسى، فإن الناسَ يُصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطِشًا بساقِ العرش، فلا أدري هل أفاق قبلي، أو كان ممن استثنى اللـه؟ ) لا تقولوا أنه نبي بني إسرائيل وليس نبينا، انظر إلى منزلته العالية! سيد ولد آدم يقول هذا على سيدنا موسى! يعلمنا أن نحبه ويقول: (نحن أولى بموسى منهم) لا تقل هو ليس نبينا! ويقول الله تعالى: {...لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ...} (البقرة:285) هذه ثوابت أساسية في كافة الحلقات.



ظروف مصر:

سنتعرف على وضع مصر لنرى إخلاص سيدنا موسى، لنذهب إلى قصور الفراعنة ونرى ونحكي كيف نشأ سيدنا موسى في وقت كان في منتهى الصعوبة ليكون حقًا بهذا الإخلاص.

في الحلقة الأول تساءل الناس كيف ذهبنا لبيوت بني إسرائيل، ولكن هذا لم يكن مكانًا حقيقيًا، هناك أماكن استطعنا أن نذهب إليها، هناك سبع عشرة حلقة مصورة في أماكن الأحداث الحقيقية ولكن بعض الأماكن لم نستطع تصويرها لكم كأنكم ترونها، فاستعنا بصور القصور والمعابد من الخرائط المصرية القديمة، وبنيناها بوسائل تقنية حديثة على الكمبيوتر بواسطة فريق من المهندسين المبدعين المصريين لتتمكن من تخيل القصة والشعور بعظمة سيدنا موسى الذي واجه كل هذه الأحداث.



أول صعوبة في مواجهة سيدنا موسى هي شخص يسمى فرعون، فرعون لقب وليس اسمًا، مثل هرقل ملك الروم، فكل ملك للروم يسمى هرقل، وكل ملك للفرس يسمى كسرى، ففرعون هو لقب الحاكم عند المصريين القدماء. وصف لنا القرآن أكثر وصف دقيق عما يفعله فرعون، بطشه وجبروته وظلمه.. ذكرت هذه الآيات من سورة القصص {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ} (القصص:4) خمسة أشياء، علا في الأرض أي لا سلطة ولا كلمة ولا قرار إلا له، تكبر وجمع كل السلطات في يده فهو الإنسان الوحيد الذي يتحدث، ومزق نسيج المجتمع المتماسك، وقسم الناس طبقات وفئات من باب فرق تسد، وليستطيع أن يسيطر عليهم أكثر، كأن الآية تقول لك إن أول من حقق تمييزًا عنصريًا وتفرقة عنصرية داخل المجتمع هو فرعون. النقطة الثالثة أنه "يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ" ليكونوا عبرة لغيرهم، وهم بنو إسرائيل، فيضربهم ضربًا مبرحًا، " يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ" لم توجد مذبحة في التاريخ لذبح الأطفال إلا لفرعون! ألف طفل! وقتل عشرة آلاف ساحر من المصريين في يوم واحد، القتل عنده شيء هين، ويأخذ قرار القتل بمنتهى البساطة! "..وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ.." يترك النساء ليكون عدد البنات أكثر من عدد الرجال، وتختل التركيبة السكانية فتكون الفتيات بلا زوج وبلا أب فيسهل انزلاقها للرذيلة وللخطأ "إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ" أفسد أخلاقيًا واجتماعيًا وماليًا.



أسباب بطش فرعون:

لماذا يفعل فرعون هذا مع بني إسرائيل ويذلهم كل هذا الذل والظلم؟ يقولون لشيئين، لبشارة ولرؤية، أما البشارة فهي أن بني إسرائيل تناقلوا فيما بينهم أن سيدنا يوسف بُشر قبل أن يموت أن ابنًا من أبناء بني إسرائيل أي من أحفاده سيخرج ليزيل الظلم عن بني إسرائيل، يكسر الظلم ويرفع العدل، وبدأت هذه البشارة تنتقل إلى أن وصلت إلى فرعون.



وأما الرؤية فهي أنه قد رأي نارًا تخرج من بيوت بني إسرائيل متجهة إلى قصوره ومعابده حتى أبادته هو وجنوده، فاستيقظ قلقًا؛ فنادى الكهنة فأولوا هذه الرؤية وفسروها بأن غلامًا رضيعًا سيخرج من بني إسرائيل ويزيل ملكه، فبدأ يذبح الأطفال ويفعل كل هذا بسبب هذه البشارة وهذه الرؤية.



ولكن هناك أسبابًا أخرى، فإذا كانت هذه هي فقط الأسباب فمهمة سيدنا موسى صعبة ولكن ليست مستحيلة، ولكن الأسباب الأخرى والأشد هي أن بني إسرائيل دخلوا مصر ستين فردًا وسيخرجون ستمائة ألف، أعلى معدل تزايد سكاني في التاريخ، فخاف منهم فرعون خوفًا شديدًا، لأنهم كانوا مع الهكسوس بمعنى أن بني إسرائيل من الممكن أن يكونوا قوة مع الأعداء ضد مصر، فبدأ يذبح فيهم، قد تقول أنه كان على حق لأنهم سيحدثون خللًا في المجتمع، ولكن لا يمكن أن يكون هذا مبررًا يؤدي إلى مجازر وحشية، الظلم الشديد غير مبرر! فكانت النتيجة أن فرعون بدأ يقتل ويذبح من بني إسرائيل، وكل هذا يصعب من مهمة سيدنا موسى أكثر.



من هو فرعون؟

شيء آخر أود قوله، من هو فرعون؟ هذا الأمر فيه خلاف كبير، ولكن يجب في النهاية أن نختار ونرجح، وقد اخترنا بناءً على عدة أشياء، فمصر كانت عبارة عن أُسر، مصر كانت تُحكم في شكل أسر، الأسر القديمة ثلاثون أسرة، من أول أسرة مينا موحد القطرين حتى جاء الغزو الفارسي والإسكندر الأكبر وانتهت مصر القديمة وحضارة الفراعنة، خوفو وخفرع ومنقرع الذين بنوا الأهرامات كانوا من الأسرة الرابعة، الهكسوس كانوا في الأسرة الرابعة عشرة والخامسة عشرة والسادسة عشرة، هذا هو الوقت الذي دخل فيه سيدنا يوسف مصر، فكل الأسر التي كانت قبل ذلك ليس منها فرعون موسى، الوقت بين سيدنا يوسف وسيدنا موسى أربعمائة سنة، لذلك أتى سيدنا موسى في الأسرة التاسعة عشرة، ففرعون من حكام الأسرة التاسعة عشرة. حكام الأسرة التاسعة عشرة هم رمسيس الأول الذي حكم لمدة سنتين، ثم سيتي الأول الذي حكم لمدة عشرسنوات، ولكن قصة سيدنا موسى خمسة وخمسون سنة، الفرعون الوحيد الذي حكم لمدة سبع وستين سنة كاملة هو رمسيس الثاني، وهذا الرأي هو الغالب، وهو الوحيد الذي ادعى الألوهية بشكل واضح {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} (النازعات:24) وادعى أن الإله رع تمثل في أبيه وأصبح هو الإله رع وكتب هذا على المعابد.



ولقد بدأ رمسيس الثاني حكمه بشكل جيد، وقام بمعركة قادش التي انتصر فيها، ووسع مملكة مصر بقوة شديدة، لكنه تغير بعد ذلك وظلم وجحد وقتل وسجن بني إسرائيل في سجن كبير، فسيدنا إبراهيم ويعقوب ويوسف كان لهم حرية التحرك والتنقل، ولكن جاء فرعون بظلمه وقال لهم: ممنوع الخروج من مصر، لذلك قال سيدنا موسى؟ {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} (الشعراء:17) لماذا تسجنهم في هذا السجن الكبير؟ أليسوا ضيوفًا على مصر! اتركهم يخرجون من مصر.



ولكن فرعون ليس وحده، معه الكهنة كمؤسسة دينية، ومعه السحرة كمؤسسة إعلامية، ومعه هامان الذي يمثل القوة التنفيذية، ومعه القوة العسكرية المتمثلة في جنوده، وسيدنا موسى سيواجه كل ذلك. لذلك عندما وقف أمام فرعون للمرة الأولى وواجهه وقال له: {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} وليبلغه أن لا إله إلا الله، قال له فرعون: "أمعك جيش؟" قال: "لا" قال: "أمعك قوة؟" قال: "لا" فقال فرعون وهو يبتسم بسخرية: "أجئت وحدك؟" قال: "نعم" فضحك فرعون وخاف، ضحك لأن سيدنا موسى وحده، وخاف من قوة سيدنا موسى. تخيل سيدنا موسى يواجه فرعون وحده بلا حرس وفرعون بهذه القوة! ولكن سيدنا موسى معه الحق.



سيطرة وتعدد آلهة:

تخيل قوة فرعون الذي استطاع أن يسيطر على مساحة شاسعة من الأراضي، لقد اتسعت حدود مصر وصار لها أكبر مساحة من الأراضي في عهد الفراعنة؛ بسبب قوة رمسيس الثاني غير العادية، وسيقف سيدنا موسى وحده أمام من يملك ويسيطر على كل هذا المُلك! أي إخلاص هذا؟ وما هذه القوة الإيمانية؟!



كذلك تعددت أشكال الآلهة التي كان يعبدها المصريون في هذا الوقت، فمصر من جنوبها إلى شمالها كانت مليئة بكم كبير من الآلهة، ورغم كل ذلك ووسط كل هذه الأجواء سيدعو سيدنا موسى الناس لقول لا إله إلا الله! وكان من بين هذه الآلهة المقدسة عند المصريين الحيات والثعابين، لذلك عصا سيدنا موسى كانت تقلب إلى حية! كأن الرسالة تقول أن الإله الذي تعبده سيلتهمك! الحية التي هي رمز القوة عندكم ستلتهمك!



منزلة سيدنا موسى عند الله:

منزلة سيدنا موسى عالية عند الله، انظر إلى الآيات لكي تحبه، لأن من أهداف برنامجنا هو أن تحب سيدنا موسى، يقول الله تعالى {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (طه:41) خلقتك وهديتك وجعلتك تنجو من القتل على يد فرعون وعلمتك لتكون خالصًا لي، تخيل إلى من يقول الله تعالى هذه الجملة؟ يقول له الله تعالى {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ..} (طه:13) أي تكريم هذا؟ وقال له هذا وهو في الأربعين من عمره، كأن الله يقول له بعد أن اختبرت صدقك وإخلاصك وشهامتك ومروءتك ونصرتك للضعيف وحبك لله وعملك للإيمان وتجردك وإخلاصك {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ..} تخيل وهو يسمع اسمه من الله! فهو كليم الله، تقول الآية: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى...} (الشعراء:10) أي شرف وتكريم هذا؟ سيدنا موسى شخص من ضمن بلايين البشر على كوكب من وسط ملايين الكواكب على مجرة من وسط ملايين المجرات، واختاره الله من وسط كل هذا الكون الهائل.



من محبته أيضًا أن يقول له الله: {...وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (طه:39) هل يمكن أن تصف لي إنسانًا قال له الله هذا؟ كيف يمكن أن يكون هذا الرجل؟ كم أتشوق لرؤية سيدنا موسى، كيف تكون شخصيته وابتسامته وقوته وإيمانه وثقته بالله؟



تخيل أننا نظل ندعو أن ينظر إلينا الله لحظة بعين الرضا في رمضان، فتخيل أن حياة سيدنا موسى بأكملها صنعت على عين الله! يقول الله تعالى { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} (طه:36) كل دعواتك مستجابة بلا تأخر للإجابة، لا ترد لك دعوة، فيدعو سيدنا موسى كثيرًا {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي } (طه:25-28) ويرد الله على كل هذا ويقول له {... قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ...} كأنه سؤال واحد.



منزلة سيدنا موسى عند النبي صلى الله عليه وسلم:

أتعلم كيف يحبه النبي صلى الله عليه وسلم؟ كان النبي دائمًا عندما يؤذيه أحد يقول: (رحم الله أخي موسى لقد ابتلي بأكثر من ذلك فصبر) كأن النبي يقول إن الذي يصبرني عليكم هو ما حدث لسيدنا موسى.



في مرة كان أحد الصحابة جالسًا مع أحد اليهود في المدينة يتحدثون، فأقسم اليهودي وقال: "لا والذي اصطفى موسى على العالمين"، فغضب الصحابي، وقال: "أتقول ذلك ورسول الله بيننا؟" ولطم اليهودي، فذهب اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره بما حدث، فاحمر وجه النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: ( لا تفضلوني على موسى، فإن الناسَ يُصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطِشًا بساقِ العرش، فلا أدري هل أفاق قبلي، أو كان ممن استثنى اللـه؟ ).



أمر النبي الصحابة أن يصوموا يوم عاشوراء وجعلها سُنَة من حبه لسيدنا موسى، عندما ذهب إلى المدينة سأل عن سبب صيام اليهود في هذا اليوم، فقالوا له أن هذا اليوم هو اليوم الذي نجى الله فيه سيدنا موسى من البحر، فقال: (نحن أحق بموسى منهم) فصاموا يوم عاشوراء حتى جاء صيام رمضان فجعله النبي سُنَة.



منزلة سيدنا موسى عند الصحابة:

لقد تربى الصحابة على قصة سيدنا موسى في القرآن، نزل القرآن في مدة ثلاث وعشرين سنة، فعندما يُتهم النبي أنه ساحر وكاذب تنزل سورة الشعراء تصبر النبي بأن سيدنا موسى قيل عليه كذلك. عندما تم إيذاء الصحابة وقتل منهم السيدة سمية، تنزل سورة طه أن سحرة فرعون حدث لهم كذا وكذا وصبر سيدنا موسى. عندما انتقل الصحابة إلى المدينة وبدأ تكوين أمة جديدة فتنزل سورة البقرة تذكر الأخطاء التي فعلها بنو إسرائيل، وكيف صبر سيدنا موسى عليهم وتعب معهم، فقصص سيدنا موسى كانت تثبت الصحابة.



فالله والنبي والصحابة يحبون سيدنا موسى، وسيدنا موسى يحب المسلمين والمؤمنين، فعندما أمر الله تعالى سيدنا محمد في رحلة المعراج بالصلاة خمسين صلاة نزل سيدنا محمد ولكن قال له سيدنا موسى: "ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق هذا" ويقولها له أربع مرات لأنه يحبنا ويحب هذه الأمة.
 
بارك الله فيك وجزاك الله خير
وعمرو خالد كذلك غني عن التعريف وخطواته واضحه بنشر الدعوه
جزاه الله خيرا ونفع به الامه
امييين
 
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ نستكمل قصة سيدنا موسى، فاليوم مولد بطل قصتنا الذي سنعيش معه طوال رمضان، مولد النبي الذي اختاره الله من أولي العزم الخمسة من الرسل: إبراهيم، وموسى، وعيسى، ونوح، ومحمد عليهم السلام، مولد من وجده النبي عليه الصلاة والسلام في السماء السادسة عندما صعد إلى المعراج ولا يوجد فوقه في السماء السابعة سوى سيدنا إبراهيم عليه السلام، مولد من اختصه الله تعالى وقال له:[... إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي] {الأعراف:144} فهو كليم الله.

إن أحد أهدافنا قصتنا أن تحب سيدنا موسى، والنبي _صلى الله عليه وسلم_ يقول: (لا تفضلوني على موسى) ثم يجعلنا نصوم يوم عاشوراء، ويقول: (نحن أولى بموسى منهم) فيجعل صيامه سنّة حتى نتذكر دائمًا أن نجاة موسى هي ذكرى لكل المؤمنين في الأرض وفي هذا رد على من يقول أن موسى ليس نبينًا .



التوكل على الله

القيمة التي سنتحدث عنها هي التوكل على الله، فلكل شيءٍ في هذا الكون معادلة يسير بها، ومعادلة اليوم سارت بها أم موسى، فما هي هذه المعادلة؟ أن تؤدي كل ما عليك + تَوَكَّل على الله = نصر، وعِزَّة، ورحمة، ورعاية، ويُريك عجائب قدرته في أن يُنَجِّيك من حيث لا تدري ولا تتخيل، ويُسَخِّر الكون كله معك كي تنجو. فهل تعرف كيف تطبق معادلة اليوم؟ فهذه الدنيا صعبة ويُظلَمُ فيها الكثيرون، وفرق القوة بينك وبين من يظلمك 1:1000 وهو فرق كبير بكل المعادلات المادية، لذا يجب أن تتحلى بالذكاء بأن تُدخِل الوكيل سبحانه وتعالى في المعادلة وتتغير المعادلة فينصرك ويُعزّك، وقد توكلت أم موسى على الله بعد أن طبقت المعادلة والتي هي شرط أساسي فلا يجب أن تقول يا رب انصرني أو توكلت على الله وأنت لم تؤدي ما هو مطلوب منك بل يجب عليك أن تطبق المعادلة بكل شروطها حتى تتحقق المعادلة.





خطة فرعون:

يقول الله تعالى في سورة القصص: [طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ المُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ المُفْسِدِينَ (4)]. (القصص: 1-4). فماذا فعل فرعون؟ لقد رأى رؤيا بأن هناك ولد من بني إسرائيل سيزيل مُلكه، فبدأ بذبح كل طفل يُولَد ويقوم الجنود بفصل الرأس عن الجسد بالسكين، وقد تم ذبح 1000 طفل فكيف ستنجين يا أم موسى؟ فقد وضع فرعون شعارًا لنفسه أن لن ينجو مني أحد؛ لأنه إن نجا أي طفل من الموت فسيكون هو المقصود بالرؤيا، فوضع خطة محكمة كالآتي:

· أولًا:أن تمشي بعض السيدات المصريات وسط بيوت بني إسرائيل لتكشف إن كان هناك سيدات حبليات أم لا؟

· ثانيًا: أي سيدة تظهر عليها أعراض الحمل يتم وضع علامة سرية على بيتها لا يعرفها إلا الجنود.

· ثالثًا: عمل زيارات مفاجئة لبيوت بني إسرائيل للكشف عن أي سيدة حبلى اختبأت.

· رابعًا: زرع جواسيس في بني إسرائيل يكشفون أمر السيدات الحبليات، ومن هؤلاء الجواسيس شاب طموح يريد أن يصل لمكانة عالية حتى وإن كانت على حساب أهله وبيته، فهو على أتم الاستعداد للتجسس على أهله وإخوته كي يرضي فرعون وهذا الشاب يُدعى قارون وسوف يظهر لدينا في القصة فيما بعد.



خطة أم موسى لمواجهة خطة فرعون:

فبهذه الطرق الأربع تم كشف 1000 سيدة، فبعد وضع العلامة على البيت تُفاجأ السيدة وقت الولادة بالجنود يدخلون فيأخذون منها الولد حين ولادته، ويذبحونه ويُزيلون رأسه ويرمونه، لذا فقد حقّ على من فعل هذا أن يموت غريقًا؛ فقد أغرق ألف طفل في النيل والجزاء لا بد وأن يكون من جنس العمل، فأين تذهبين يا أم موسى من هذه الخطة؟ لقد قررت أم موسى تطبيق المعادلة، فقامت بوضع خطة ثم توكلت على الله، وبمقتضى الخطة اتفقت مع مريم (أخت موسى) وإحدى الجارات من بني إسرائيل في نفس عمر أم موسى ولكنها ليست حاملًا، بأن تخرج مريم لتراقب، فكلما جاءت الزيارات المفاجئة خرجت أم موسى من بيتها لتختفي على ضفاف النيل بين الأعشاب وتأتي جارتها مكانها فإذا كشفوا عليها وجدوها امرأة غير حامل فيتركوها، وهذه عملية غاية في المشقة نظرًا لحدوثها بشكل مفاجئ، ولكنهم واظبوا على المراقبة لمدة 24 ساعة طوال التسعة أشهر وبذلك يكونوا قد أتموا الشق الأول من المعادلة وكان الشق الثاني بالتوكل على الله طوال التسعة أشهر.



مولد موسى:

ويأتي اليوم، يوم مولد موسى عليه السلام ولكم تمنت أمُّه أن يكون بنتًا حتى لا يُذبَح، ولكن لديها نبوءة سيدنا يوسف أنه سيولد ولد من رجل من بني إسرائيل يهزم الظلم ويظهر العدل ولكم تمنت أن يكون ابنها، وتمت الولادة وجاء ولد ذكر أسمر جميل أعطاه الله خاصية عجيبة فإن رأيته أحببته، يقول تعالى: [... وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي] {طه:39}، فمثلما يُلقي أحدهم عباءته على أحد آخر ألقى الله على سيدنا موسى محبة من عنده، ألهذه الدرجة يحبه الله؟ إنه نبي غالٍ يجب أن نحبه.

فيا ترى ماذا فعلت أم موسى وهي تلد؟ قامت بكتم صوتها والولادة في السر حتى لا يسمعها أو يشعر بها أحد، وربما قامت بكتم صوت ولدها حتى لا يسمعه أحد، ووُلدَ موسى وكانت المفاجأة، ماذا ستفعل به؟ فقد يراه أحد، يقول تعالى: [وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ] {القصص:7}.



أم موسى وما بعد الولادة:

وأوحي إلى أم موسى وهي ليست نبية وإنما امرأة بسيطة مؤمنة متوكلة على الله فصفة التوكل هي من أجمل وأقوى الصفات التي تتحلى بها، فكيف أوحي إليها؟ هل جاءها جبريل؟ بالطبع لا، فهي ليست من الأنبياء، فالوحي ثلاثة أنواع: وحي يأتي إلى الملائكة [إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ] {الأنفال:12}، ووحي يأتي إلى الأنبياء [إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا] {النساء:163}، ووحي آخر هو عبارة عن إلهام فطري يُقذَف في قلبك يملأ كل كيانك، يُحفَر في قلبك ويسيطر عليك فهو من الله لنجاتك أو لخير لك، وهذا هو النوع الثالث الذي حدث لأم موسى والذي قال عنه سبحانه وتعالى: [وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ] {المائدة:111}، فالحواريون ليسوا أنبياء ولكن الله غرز الوحي في قلوبهم وسيطر عليها بأن يؤمنوا بسيدنا عيسى عليه السلام، ويقول تعالى أيضًا: [وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ] {النحل:68}.

فقد قذف سبحانه وتعالى الوحي بقوة في قلب أم موسى بأن تُرضعه، وألا تخاف أو تحزن فسوف يرجعه إليها وسوف يكون نبيًا. يحضرني الآن موقف لأحد أصدقائي قد مر بأزمة في حياته وقد ظُلِم واُضُّطر أن يترك بلده ويذهب إلى بلد آخر، فاتصل بأحد أصدقائه وسأله: ماذا أفعل؟ فقال له: اخرج فورًا فظلت هذه الكلمة ترن داخل أذنه حتى ذهب إلى منزله ليصلي ركعتي استخارة، فإذا به يجد نفسه يقرأ هذه الآية في إحدى الركعتين: [وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ المَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ] {القصص:20}، فأحس بأنه أصبح يقينًا عليه أن يخرج، فقد قذف الله هذا الإلهام في قلبه بقوة حتى تحول إلى يقين.

لقد ملأ الإلهام الذي أرسله الله إلى أم موسى كيانها، فلماذا أم موسى هي التي أوحى الله إليها على الرغم أنها امرأة مؤمنة عادية؟ لقد أوحى الله إليها لأنها تحركت ونفذت نصف المعادلة وتوكلت على الله، فما الفرق بين أم موسى وآلاف السيدات اللآتي ذُبحَ أولادهن؟ إن هؤلاء السيدات مكثن طوال التسعة أشهر يبكين على ما سيحدث لأولادهن، ويقلن توكلنا على الله ويدعين الله ولكن دون أن يتحركن، لذا فالمعادلة خاطئة فهن لم يتوكلن على الله حق التوكل بينما هي توكلت على الله حق التوكل فألهمها الله.

وإذا رجعنا إلى الآية مرة أخرى سوف نجد أن بها أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين في سطر واحد، ما هذا الإعجاز القرآني في اللغة العربية؟ فالأمرين هما: أرضعيه وارميه، والنهيين هما: لا تخافي ولا تحزني، والخبرين والبشارتين هما: إنا رادوه إليك، وجاعلوه من المرسلين وهي أمنيتك القديمة يا أم موسى أن يكون ابنك مثل يوسف عليه السلام، فهل ستلقيه يا أم موسى؟ وإذا لاحظنا هنا نجد أن هناك شيء غاية في الصعوبة فلم يقل الله إذا خفت فاحضنيه أو ضميه أو اخفيه في الأحراش فالمكان الذي كانوا فيه مليء بالنباتات القصيرة كالأحراش ولكن قال ألقيه في اليم أو النيل، لماذا؟ لأنك مع الوكيل مالك الملك، فتوكلي على الله وارميه، فهل تعتقدون أنها سترميه؟

ونرى قمة التوكل على الله حين تصنع هذه المرأة صندوقًا خشبيًا صغيرًا لتضع فيه ابنها ثم تلقيه في هذا النيل الواسع، فيا آباء ويا أمهات ويا شباب هل ترون التوكل على الله؟ لا أقول لك بأن تقوم برمي أولادك في النيل ولكن أقول لك خذي خطوة للأمام وسيخبرك الله بأن تسلكي في هذا الطريق أم لا، وسيضع في قلبك يقينًا أن هذا هو الطريق، فيا أيها الشباب الذين تشكون من البطالة وتقولون كيف سنعمل؟ وماذا نعمل؟ ولا يوجد عمل ولا نعرف كيف نبني مستقبلنا، ويا سيدات اللآتي تشتكين من عدم معرفة كيفية تربية الأولاد، أين التوكل على الله؟ فالقرآن يعلمك التوكل وسورة القصص بالأخص تعلمك التوكل .

فها هي أم موسى صدقت وعد الله، وأمسكت بابنها وألقته في النيل وهي متأكدة أن الوكيل لن يضيعها، فهل ستفعل ذلك لو كنت مكانها؟ هي تعلم جيدًا أن البديل هو الذبح لأن أمامها ألف قصة أخرى من سيدات لم يتوكلن على الله حدث لهن هذا، فهناك من الناس من يرى الآلاف من القصص عندما يعصون الله ماذا يحدث لهم، ويرون من لا يتوكل على الله ماذا يحدث له، ورغم ذلك يقعون في نفس الحفرة، فهم كمن حُفرت أمام بيته حفرة يقع فيها كل يوم عشر مرات، فلتتعلموا التوكل على الله .

هل ستتوكل على الله؟ هل ستثق في وعد الله ؟ فلتسأل نفسك: هل أقوم بأخذ خطوات في حياتي كي أرضي الله وأصلح في حياتي؟ فلا تخف وتوكل على الله وثق في الله، فقد وقفت هذه السيدة أمام هذا النيل الواسع العظيم الكبير بعدما صنعت صندوقًا من الخوص بسرعة شديدة فليس أمامها الكثير من الوقت وعندما همت بأن ترميه لم تستطع، فالأفكار النظرية غير التطبيقية، فالعديد من الناس يقتنعون بفكرة نظرية ما ولكن عند التطبيق لا يستطيعون ذلك وهم هنا يحتاجون إلى تثبيت من الله .

وقد جاء الوحي لأم موسى مرتين وليس مرة واحدة، مرة ذُكرت في سورة القصص ومرة في سورة طه، الآية الأولى كما ذكرنا من قبل: [وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ] {القصص:7} والثانية بعدما كبر سيدنا موسى يقول له الله كيف نجاه: [إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى(38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي اليَمِّ فَلْيُلْقِهِ اليَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)] {طه 38-39}. وقد ذكرت الآيتان هنا لنرى الفرق بينهما، يقول المستشرقون أن هذا تكرار قد جاءها بالفعل مرتين، فالوحي الأول قد جاءها بهدوء ورويّة (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ ... وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي) ثم يقول فأرضعيه وكلمة أرضعيه بها مزيدًا من الوقت وهي كلمة جميلة لها العديد من المعاني الأخرى فأرضعيه حتى يعرف مذاق لبن أمه فيرفض كل السيدات الأخريات ويعود لها فترضعه ولكي يشمها ويشعر بها، فتخيل إن لم تطع الله في هذا الجزء ولم ترضعه وأعطته لجارتها كي ترضعه وقذفته في النيل ففي هذه الحالة لن يعود لها موسى، وفي كلمة أرضعيه أيضًا حنان من الله ففي ملامسة الرضيع لأمه حنان، فيا أمهات أولادكم يحتاجون إلى الحنان، فالله ينقل مشهد الرضاعة في كتابه الكريم، فالوحي الأول يُلقي الفكرة حتى تستقبلها، وفي الوحي الثاني كان الجنود قد جاءوا بالفعل وبدأوا في قرع الأبواب على البيوت المقابلة وسوف يدخلون البيت ويرون موسى فقال لها اقذفيه في التابوت فليس هناك المزيد من الوقت.

يقول الله تعالى لأم موسى (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ) ، فلم يكتف بأن يقول لها أرضعيه وارميه لأن الأم غالية جدًا عند الله، فكان حقًا عليه أن يطمئنها، والنبي _صلى الله عليه وسلم_ يقول الأم يُغفَر لها عند أول طلقة لها وهي حبلى، ويقول يكتب لها وهي تربي ابنها أجر الصائم القائم، فلو لديك ثلاثة أطفال وقد ربيت كلًا منهم مدة 10 سنين أي أنك تأخذين أجر الصائم القائم على مدار 30 عامًا، إنه ثواب وأجر عظيم.



أم موسى ترمي ابنها في النيل:

أين سترمي أم موسى ابنها؟ في نهر النيل، ولكن لماذا نهر النيل؟ لأن جنود فرعون يرمون الأطفال في النيل، فإن كان هناك جندي يراقبها فسوف يتركها لأنها رمت في النيل، وسوف يكتب في دفتره تم الرمي ولن يؤذيها لأن المصري طيب بطبعه ولا يحب الإيذاء، ولكن هناك معنى آخر وراء الرمي في النيل، فإن رمته في هذا النيل الواسع العريض أين سيذهب؟ هناك أكثر من احتمال فإما يأخذه النيل إلى أي مكان بعيد وهنا بالتأكيد لن يرجع إليها، وإما يزداد الموج فينقلب الصندوق، وإما يرميه التيار في البحر فتأكله سمكة، وهنا نرى مدى صعوبة ما كانت أم موسى مقبلة عليه والمغامرة في أنه إما يُذبح وإما تأخذ خطوة للأمام وتتوكل على الله وترميه.

ولكي تشعر بمدى التوكل على الله قم بصنع صندوق من الخوص لتشعر وتحس بم أحست به أم موسى، من مشاعر أم ظُلمت وليس لها إلا الله وليس لها سوى هذا الطريق، فها هي تضعه في الصندوق وترميه في النيل فيجري الصندوق مع التيار، فيا ترى ماذا فعلت قبل أن ترميه؟ هل ضمته؟ هل احتضنته؟ هل قبلته؟ فلتتخيل ماذا فعلت هذه الأم المظلومة، فها هي تبكي وترفع رأسها إلى السماء وتدعو الله، لعلها قامت بالدعاء على فرعون في هذه اللحظة، فالويل لمن يَحرِمُ أمًا من أولادها، فلربما كانت استجابة الله لدعائها في هذه اللحظة هي التي أغرقت فرعون مثلما أجبرها أن لا يكون لابنها طريق سوى البحر، فلا تستهن بدعوة مظلوم خاصة لو كانت من أم حرمت من أطفالها، لعلها قالت حسبي الله ونعم الوكيل وهي ترميه وتراه يفارق أعينها، فأي درجة من التوكل تلك يا أم موسى؟ وبدأ الصندوق في التحرك، ومن ينظر إلى الصندوق يقل [...وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ...] {المدَّثر:31} فهنا بدأت رعاية الله، فقد أصدر الله أمره لجنوده، يا نيل احمل موسى، يا تيار ويا ريح رفقًا بموسى، فعندما تتوكل عليه يسخر لك كل جنوده.

وتقف أم موسى قلقة، على الرغم من توكلها على الله إلا أنها أم، [وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ] {القصص:11} "قُصِّيه" أي ابحثي عن أخيك، "فبصرت به عن جُنُب وهم لا يشعرون" أي كانت تراقبه من بعيد فلم تستطع أن تقترب منه حتى لا يراها أحد، وبقيت تمشي وسط الأحراش تراقب الصندوق وهي مندهشة ومتعجبة لأن الصندوق يمشي وكأن به دفتين يحركانه، فالله قد حدد إلى أين سيتجه، وهنا يظهر لدينا معنى اسم الله الوكيل.



موسى وبيت فرعون:

وتستمر أخته في متابعة الصندوق على الرغم من طول المسافة بين بيوت بني إسرائيل وقصر فرعون حوالي 14-20 كيلومتراً)، ويقترب الصندوق من قصر فرعون وتفزع أخته لأنهم فعلوا ذلك ليبعدوه عن فرعون ولكنه يقترب أكثر وأكثر منه حتى يصل إلى قصر فرعون، فتعود الأخت مرتبكة إلى أمها وتحكي لها ما حدث، يقول تعالى: [وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ] {القصص:10} فقد كادت أم موسى أن تذهب إلى القصر لتخبرهم أنها أمه لولا أن الله ربط على قلبها.

ويقفز الآن إلى أذهاننا سؤال: لماذا جعل الوكيل الصندوق يصل إلى هناك؟ لأن أفضل وسيلة لحماية موسى هي أن يصل إلى القصر ولكن لماذا؟ لأن سيدنا موسى سوف تكون مهمته هي إنقاذ بني إسرائيل الأذلاء من الذل، فهل يعقل أن من يحرر الأذلاء يكون ذليلًا مهانًا، أم يجب عليه أن يكون حرًا؟ بالطبع يجب عليه أن يكون شخصية حرة ولكن لم يكن في مصر حرية في ذلك الوقت ولم يكن هناك مصريون أحرار، لذا فالمكان الوحيد الذي يوجد به حرية هو بيت فرعون، وهناك أيضًا سَببٌ آخر، وهو أن بني إسرائيل محرومون من التعليم وموسى يجب أن يكون متعلمًا تعليمًا جيدًا لأن لا نهضة بدون تعليم، وأمه لا تقدر على تحمل تكلفة تعليمه، لذا فأفضل مكان يتم تعليمه فيه تعليمًا راقيًا هو بيت فرعون وهو من سينفق على تعليمه حتى يزيله موسى في النهاية، فها أنت يا فرعون تقتل كل هؤلاء الأولاد من أجل هذا الولد وها نحن قد أحضرناه لبيتك رضيع لا يملك أي قوة حتى تربيه، أرأيت قدرة الوكيل جلّ وعلا.



موسى وامرأة فرعون:

فيا أيها الناس يا من ظُلِمتم في الدنيا، يا سيدات يا من ظُلِمتن من أزواجكن أرجعوا إلى الوكيل وتوكلوا عليه حق التوكل، يقول تعالى: [فَالتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ] {القصص9:8} فلم يلتقطه فرعون بنفسه ولكن زوجته هي من التقطته، وتتجلى عظمة الوكيل سبحانه وتعالى أن يكون توقيت خروج آسيا امرأة فرعون إلى النيل هو وقت وصول الصندوق فتراه وتُخرجه، فلو كان من أخرجه هو أحد الجنود أو فرعون نفسه لتم قتله، وما أن رأته امرأة فرعون حتى أحبته فيقول تعالى: [.. وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ...] {طه:39} وقد أراد فرعون قتله ولكنها تصدت له ولكل من أراد قتله، فها هو الوكيل سبحانه وتعالى عندما أراد أن يحمي هذا الطفل الرضيع الذي لا حول له ولا قوة من سكاكين فرعون زوده بسلاح الحب، فسلاح الحب أقوى من سلاح القوة، فيا من تسبُّون الناس وتُهاجمونهم تعلموا من القرآن ومن قصص القرآن أن سلاح الحب أقوى وأنفع.

ورضخ فرعون لرغبة زوجته آسيا وهذا يُدلل على قوة المرأة المصرية على ما يبدو، ففي قصة سيدنا يوسف قالت امرأة العزيز اسجنوه فسجنوه، وها هي هنا تقول لا تقتلوه فتنفذ رغبتها ويصدر فرعون قرارًا بعدم القتل وبأنه سيكون ابنه بالتبني وسوف يُطلق عليه ابتداءً من اليوم الأمير موسى فسبحانه الوكيل.



موسى والمرضعات:

وكان الرضيع حتى هذه اللحظة صامتًا لا يبكي ولعل هذا حتى تستطيع آسيا إقناعهم بالاحتفاظ به ولكن بمجرد أن وافقوا وقبلوه بدأ في البكاء، فكم يتحمل الرضيع دون رضاعة؟ تقريبًا 24 ساعة، فها هو هنا يترك أمه عند الفجر ليعود إليها قبل العصر معززًا مكرمًا أي قبل مرور 24 ساعة.

يقول تعالى: [وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ] {القصص:12}، فها هو طابور من المرضعات المصريات حيث أنه ممنوع على أي امرأة من بني إسرائيل دخول القصر وهو يرفضهن جميعًا ولا يقبل الرضاعة منهن كأن الله أمر شفتي موسى أن لا تقبلا الرضاعة، فكأن موسى عاقلٌ وهو رضيع ينظر في وجه السيدات ويقول هذه لا ترضعني وتلك لا ترضعني فهو يبحث عن أمه.

وفي هذه اللحظة دخلت أخته وقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون؟ فمن أين يا مريم أتتك القوة لتدخلي قصر فرعون وتعبري بين الحراس وتقولين هذا الكلام؟ فنظر لها فرعون وقال: "أتعرفينه؟" قالت: "لا"، قال: "من أنت؟" قالت: "فتاة من بني إسرائيل"، فاحمر وجه فرعون غضبًا وفي نفس اللحظة زاد موسى من بكائه كأنه يساعد أخته ويسهل موقفها، وآسيا تصرخ بأن الولد سوف يموت من البكاء وأنهم يحتاجون مراضع بسرعة، فسألها فرعون: "هل لديك مرضعة؟" قالت: "نعم"، قال: "من؟" قالت: "أمي من بني إسرائيل"، فقال: "ولم تريدون أن ترضعوه؟" قالت: "نبتغي الأجر والمال ونحب فرعون"، فقال: "أحضريها" فجاءت أمه، ولنتخيل معًا لحظة دخول أمه القصر يا لها من لحظة يتجلى فيها الوكيل سبحانه وتعالى، وبمجرد أن أمسكته أمه وضمّته ولمس ثديها سكت الرضيع، فدهش كل من في القصر وقال فرعون: "من أنت؟" فقالت أم موسى: "أنا امرأة طيبة اللبن، لا يأتي صبي إلىَّ إلا قبلني ورضع مني"، فإذا بقرار من فرعون أن عينّاكِ مرضعة لابننا ولك الأجر على رضاعته، فسبحان الرزاق فقد كنت سترضعيه يا أم موسى دون أجر إن بقي معك وها أنت ترضعينه وتأخذين المال من عدوّه حتى يكبر ويقضي عليه مثلما ظلمكم، يقول تعالى: [فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ] {القصص:13}.

فلتتوكلوا على الله ولا تخافوا وكونوا مع الله ولا تبالوا فإن الله معكم.
 
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أهلًا ومرحبًا بكم، سنتحدث اليوم عن طفولة وشباب سيدنا موسى عليه السلام.

اختصاص ومهمة:

لماذا اختص الله سيدنا موسى بتكليمه؟؟ ولماذا سيدنا موسى بالأخص هو كليم الله؟ (... وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)(النساء: من الآية164) لم يرتق ِ أحد من البشر ويصل إلى منزلة أن يكلم الله عز وجل دون وسيط إلا سيدنا موسى عليه السلام وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في المعراج، ماذا يوجد برسالة سيدنا موسى أوصله إلى هذه المنزلة؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فجعل الناس يطوفون بالبيت يقولون ما أجمله ما أحسنه إلا موضع لبنة، فأنا موضع اللبنة ) أي أنه هو الذي أكمل هذا البناء، فما هي لبنة سيدنا موسى الذي تفرد بها على مر التاريخ؟

هو قائد صنعه الله ليقضي على الظلم ويحول أمة من مستضعفين إلى أعزة منتصرين، مهمته أصعب مهمة في التاريخ بعد مهمة النبي صلى الله عليه وسلم هي مهمة سيدنا موسى عليه السلام، فهو مطلوب منه:

1- مواجهه أكبر طاغية على مر التاريخ (فرعون) ذلك السفاح الذي قتل آلاف الأطفال، يواجهه بمفرده بلا قوة وبلا سلاح.

2- أن يدعو فرعون إلى التوحيد.

3- أن يدعو بلده كلها إلى الإيمان بالله.

4- أن يحرر بني إسرائيل من الذل الذي ملأهم.

5- أن يخرجهم من مصر (... فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائيلَ)(الأعراف: من الآية105) وذلك ليبني بهم أمة جديدة ويقوم بعمل نهضه لهذه الأمة.

ولذلك هيئته مناسبة لهذه المهمة، فهو طويل أسمر ذو شعر أجعد مفتول العضلات، ذو شخصية قوية، ولكن لماذا أصبح كليم الله؟ انتبه معي .. إن المهمة شاقة جدًا، واعلم أيضًا أنه كان مهدد بالقتل منذ كان في المهد حتى وفاته، لا يوجد أحد غيره من الأنبياء كان له هذا الحظ من التهديد بالقتل، كل الأنبياء هُددو بالقتل بالفعل وتعرضوا لمحاولات قتل، لكن سيدنا موسى الوحيد الذي كان كذلك منذ مولده وحتى وفاته، ذلك بالإضافة إلى مهمته سالفة الذكر، لذا فهو يحتاج لإعانة غير عادية حتى لا يضعف، بل يصمد ويواجه ويستمر في تحقيق مهمته تلك، هو في حاجة لدعم من الله ليعطيه قوه هائلة لمواجهة كل ذلك الظلم والبطش، ولذلك تكررت كلمة الخوف في قصة سيدنا موسى كثيرًا جدًا؛ لأنه تعرض لأهوال وفي الوقت نفسه هو بشر فلابد وأن يخاف كسائر البشر، وكأن رسالته من أجل نصرة الضعفاء والمظلومين وتوحيد الأمة على قول لا إله إلا الله ، فهي التي تحرر الأنفس الذليلة، هذا هو معنى لا إله إلا الله ، ألا تخاف من قوي ولا ذو سلطان أو أي أحد فلا إله إلا الله القوي والأقوى من أي شيء أو أحد، إذًا سيدنا موسى جاء بالتوحيد والتحرير وحرية الشعوب، وذلك يعني أن أوربا ليست أول من أتت بالحرية، بل إن سيدنا موسى وأنبياء الله هم أول من تكلم عن الحرية.

مراحل قصة سيدنا موسى:

تنقسم حياة سيدنا موسى إلى أربع مراحل، مرحلتين إعداد ومرحلتين تنفيذ.

· مرحلة الإعداد الأولى: وهي منذ المولد وحتى الثلاثين من عمره ويقضيها ما بين قصر فرعون وبين بيوت بني إسرائيل، ما بين أمه وبين آسية.

· مرحلة الإعداد الثانية: وهي عبارة عن عشر سنوات يقضيها في مدين حتى يصبح في الأربعين من عمره.

· مرحلة التنفيذ الأولى: وفيها يعود إلى مصر لمواجهة فرعون، وتستمر لمدة خمسة عشر عامًا.

· مرحلة التنفيذ الثانية: وفيها يخرج من مصر، وبناء بني إسرائيل وتحريرهم من الذل الذي قضى عليهم، وتستمر لمدة عشرة أعوام وحتى الوفاة.

وهذا يعني أن سيدنا موسى توفي وهو في سن الخامسة والسبعين من عمره تقريبًا.

صناعة قائد:

مرحلة الإعداد الأولى بين قصر فرعون وبيت أمه في البيوت الفقيرة لبني إسرائيل، بين ذلك القصر الفخم، وتلك البيوت الفقيرة، وذلك لينشأ ولديه الثقافتين، ثقافة الملوك وثقافة الفقراء، حتى يتمكن من التعامل مع الفئتين ، لذلك قال الله له ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)(طـه: من الآية39) أي أنه سيتم إعداده على يد الله سبحان الله وتعالى.

نيل وبحر:

لسيدنا (موسى) ذكريات عديدة مع ماء النيل، فلقد رُمى في النيل، والتقط من النيل، وعاش جزء من حياته مع أمه على ضفاف النيل، وجزء آخر من حياته في قصر فرعون على ضفاف النيل أيضًا، ثم نجا من فرعون وانشق البحر وتجاوزه هو وبني إسرائيل، ثم قصته مع سيدنا (الخضر) ورحلته في الماء، كلمة (موسى) ذات نفسها في اللغة المصرية القديمة معناها المُلتَقط من الماء، (مو) هي الماء، و(سى) هي المُلتقَط، وفي كلام آخر أن (موسى) معناها ابن الماء. هناك أمر آخر.. من تعتقد أنه اسماه (موسى)؟ لا يوجد سوى ثلاث بدائل: إما (فرعون) أو أمه أو (آسيا) ، فأما فرعون فهو لم يكن يحبه، وأما أمه فلا تملك تسميته؛ لأنها أمام الجميع المرضعة، فلا يتبقى سوى (آسيا) التي قامت بتسميته بذلك الاسم وهي الوحيدة التي لها مثل هذه المقدرة.

بين حنان أميه:

أصرت أم موسى أن تربيه في بيوت بني إسرائيل على ضفاف النيل، وسط حياتهم البسيطة، ولقد حاولت معها (آسيا) امرأة فرعون كثيرًا إقناعها بتربيته في القصر، إلا أنها لم تفلح في ذلك، فقد كانت أم موسى على يقين من الله (... إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (القصص:7)، (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ... ) (القصص:13) ووافقت (آسيا) على أن يذهب (موسى) مع مرضعته التي رفض أن يرضع من سواها وذلك خوفًا من أن يموت جوعًا، مرضعته التي هي في الحقيقة أمه، ذهب سيدنا (موسى) مع أمه إلى بيوت بني إسرائيل وعاش معها فترة الرضاعة والفطام؛ أي عامين عاش هذين العامين بين حنان أميه، أمه الحقيقية (يوكابد) وأمه بالتبني (آسيا)، هذا الحنان الذي يعيشه سيدنا (موسى) هو أولى صفات القائد، حيث يعينه على الوقوف للصعاب وفي نفس الوقت يكون قائد رحيم، تخيل معي بعد أن حُرمت أمه منه بقذفه في اليم، وكاد قلبها ينفطر عليه، ثم عاد إليها لتقر عينها به، تخيل مقدار الحب والحنان اللذين ستغدقهما عليه، وفي نفس الوقت حُرمت (آسيا) من الأولاد فتخيل أيضًا مقدار الحب والعطف اللذين سوف ينعم بهما منها، إن صفة الرحمة التي اكتسبها هي ما تميز القائد الحكيم، فالقائد بدون رحمة يصبح جبار مثل (هتلر) مثلًا .

في قصر فرعون:

وهناك اكتسب (موسى) صفة جديدة من صفات القائد وهي الصفة الثانية له وتتمثل في التعليم المتميز، فهو في قصر فرعون حيث سيتعلم علوم لا يتعلمها باقي المصريين، فما بالك ببني إسرائيل، لم تكن أمه لتستطيع أن توفر له هذا القدر من التعليم، وكأن الله قد أرسله في بعثة إلى أحسن الجامعات للتعلم، شيء آخر تعلمه في قصر فرعون وهي الصفة الثالثة له كقائد وهي القوة البدنية الهائلة، فمن عادات الفراعنه تربية أولادهم على التدريبات البدنية القوية، الصفة الرابعة تعلم في قصر فرعون أن يكون ذو نفس حرة، والتي تؤهله بعد ذلك للتصدي لفرعون نفسه، نعم فرعون نفسه، حياته مع فرعون في نفس القصر في حد ذاتها أفقدته هيبة فرعون؛ فقد رآه على طبيعته، وهو جائع وهو مريض وهو يذهب ليقضي حاجته كسائر البشر، لأنه بشر عادي، فأصبح بالنسبة لـ (موسى) إنسان عادي لا يهابه .

الحقيقة الأولى:

عمره الآن سبع أو ثمانِ سنوات، تعود سيدنا (موسى) أن يزور مرضعته كثيرًا، مثلما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع مرضعته (حليمة السعدية)، في هذه المرحلة من عمره والتي بدأت فيها شخصيته بالتكون وصار من الطبيعي أن يسأل أو يسمع ويعقل الكلام الذي يسمعه قررت (آسيا) أن تخبره الحقيقة بأنه ليس ابنها وأنها قد التقطته من الماء، لأنه حتمًا سيعلم ذلك، فقد شاهد حادثة التقاطه الكثيرمن الناس، ذلك بالإضافة إلى أن فرعون لا يحبه، فكان من الطبيعي أن يسألها عن أمه من تكون؟ فأجابته بأنها لا تعلم، وفي الوقت نفسه لم تستطع أمه (يوكابد) أن تخبره بحقيقة أنها هي أمه؛ فهو لا يزال صغير وخشيت أن يكثر كلامه مثل سائر الأطفال، فظل لا يعلم لنفسه أمًا، في هذه الفترة بدأت تظهر لديه الصفة الخامسة للقائد ألا وهي الشجاعة، فقد أصبح صاحب نفس شجاعة تتحمل الصدمات، انظر معي إلى شخصيته، لديه الرحمة وفي نفس الوقت الشجاعة وعزة النفس، مما أدى إلى أن تكون نفسه نفس سوية، هذه هي صناعة الله سبحانه وتعالى.

بين قصر فرعون وبيوت بني إسرائيل:

سمحت (آسيا) لـ(موسى) بزيارة مرضعته رغم صغر سنه، وظل سيدنا (موسى) يتردد على مرضعته ويتودد إليها حتى نشأت علاقة قوية بينه وبينها، وبينه وبين إخوته هارون ومريم، وبدأ يشعر براحة في بيوت بني إسرائيل أكثر من تلك التي يشعر بها في قصر فرعون، ففرعون يكرهه ولولا (آسيا) لما ظل هناك، أراد الله له ذلك لينشأ لديه حب لبني إسرائيل وفي نفس الوقت يعتاد على حياتهم منذ صغره فلا يشعر بغربة بينهم بل يأنس إليهم، فرحت أمه (يوكابد) كثيرًا لما رأته يأنس إلي بيت أبيه وإخوته وقومه حتى وإن كان لا يزال لا يعلم أنه منهم، فأرادت أن تزيد من هذه الصلة، فشرعت تحكي له قصص عن سيدنا (يوسف) عليه السلام، وهذا ذكاء منها فقد اختارت له شخصية تاريخية ورمز تاريخي محبوب لدى الفريقين، حتى إذا ذهب إلى القصر وتحدث عن سيدنا ( يوسف) لا ينزعج منه أحد؛ فالمصريون يحبون سيدنا ( يوسف) وفي الوقت نفسه هو من بني إسرائيل، وهي تريد أن تنمي لدى سيدنا (موسى) حبه لبني إسرائيل تمهيدًا لإخباره بأنه منهم، وهنا تظهر لديه صفة جديدة من صفات القائد وهي الصفة السادسة ألا وهي القدوة والمثل الأعلى الذي يحتذي به، ثم أخبرته أن هذا القائد العظيم الذي أصبح يحبه ويراه مثلًا أعلى هو من أجدادها، فازداد تعلق سيدنا (موسى) بمرضعته وبني إسرائيل، وزاد انتمائه إليهم.

الحقيقة الثانية:

إلى أن أتى اليوم المناسب الذي تستطيع أن تأتمنه على السر فأخبرته بأنها هي أمه الحقيقية، وأنها لم يكن لديها أي وسيلة أخرى لتنجيه من موت محقق على يد فرعون سفاح الأطفال إلا بقذفه في النيل، وأن الله قذف في قلبها إيمانًا بأنه سيعود إليها ، وها هو قد عاد بالفعل، وسردت له القصة من بدايتها وحتى نهايتها، وأخبرته بأنه يجب أن يعود إلى قصر فرعون حتى لا تُقتل هي أو يُقتل هو إذا علم فرعون بحقيقة أمرهما.

المرونة والموازنة:

لم تكن أم ( موسى ) أمًا عادية بل كانت مربية ذكية، فقد غرست لديه صفة جديدة من صفات القائد، الصفة السابعة وهي المرونة والتوازن، ما رأيك أنت؟ هل يعود إلى حياته في قصر فرعون المليء بالفساد ، فهناك فرعون الذي يقول (أنا ربكم الأعلى) وكهنة وآلهه، أيعود بعد أن عرف الحقيقة وعرف أمه واستقر بين أحضانها، نعم .. أصرت أمه على عودته إلى ذلك القصر بالرغم من كل ذلك؛ فهو لا يزال بحاجة للمزيد من التعليم الذي لا يستطيع أن يحصل عليه إلا في ذلك القصر وحده فقط، وهذه الفترة هي التي أصقلت صفة المرونة والتوازن لديه، الكثير منا سوف يختارون عدم العودة لذلك القصر لما فيه من فتن ومصائب حتى ولو كان ذلك على حساب الفائدة التي يمكن أن يحصل عليها، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" المؤمن الذي يخالط الناس خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه". تعلم سيدنا موسى الموازنة بين شيء فيه المفسدة والمصلحة في نفس الوقت، ويصر على الحصول على الفائدة دون أن يتأثر بالمفسدة، لذا ظل سيدنا موسى في قصر فرعون ليستفيد من العلم المتاح لديه في القصر ويحتك أكثر بالمصريين، ليعرفونه أكثر لأنهم سيدافعون عنه فيما بعد، تواجده في القصر واحتكاكه بالمصرين بعد أن عرف حقيقته وأصله لبني إسرائيل علمه الصفة الثامنة للقائد وهي الشخصية المنفتحة، فقد عاش في البيئتين رغم اختلافهم واختلاف ثقافتهم، يستطيع الآن أن يتعامل مع برتوكولات القصر وطبيعة الحياة الملكية ويتعامل مثل الملوك والفراعنة، وفي الوقت نفسه يستطيع التعامل مع الحياة البسيطة لبني إسرائيل التعايش معها بأريحية بالغة على عكس طبيعة الملوك العاديين.

ولما بلغ أشده:

الصفة التاسعة والتي لا يصلح قائد بدونها، الهدف والرسالة، ولقد قرر أن يكون هدفه إنقاذ بني إسرائيل، الكثير منا يظن أن سيدنا (موسى) حرر بني إسرائيل لأن الله كلفه بهذا، ولكن الحقيقة هي أنه اختار ذلك بنفسه فاختبره ربه ووجده مصرًا على أن ينقذهم مما هم فيه بعد أن أحس مدى الذل الذي يعيشونه فكلفه الله بذلك وأيده.

الصفة العاشرة وهي الصحبة الصالحة والتي من دونها يضل أي قائد وأي شخصٍ ناجح، وتمثلت صحبته الصالحة في أخوه هارون الذي سوف يسانده ويقف بجانبه وينصحه إلى آخر رحلته.

إلى الآن اكتسب سيدنا (موسى ) عليه السلام عشر صفات أساسية من صفات القائد وهي:

1. الرحمة

2. التعليم المتميز

3. القوة البدنية الهائلة

4. نفس حرة

5. الشجاعة

6. القدوة والمثل الأعلى

7. المرونة والتوازن

8. الشخصية المنفتحة

9. الهدف والرسالة

10. الصحبة الصالحة

وقد لخص الله لنا كل ذلك في آية عظيمة، هي من دلالات إعجاز القرآن الكريم (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ)(القصص:14).
 
والله جزاك الله خير على هالجهد

والله يجعله في موازين حسناتك
 
مقدمـة:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهلا بكم، فلنكمل مع سيدنا موسى، هيا بنا نرى اختياره وإخلاصه وحمله للرسالة، ونرى نموذج سيدنا موسى نصير المظلومين والضعفاء الذي نادى لإعلاء كلمة لا إله إلا الله لأنها كلمة تعلم الناس أنه لا ذل ولا خضوع إلا لله سبحانه وتعالى فكلمة لا إله إلا الله هي رسالة سيدنا موسى.

إن شعارنا هو سنحيا بالقرآن، فرمضان هو شهر القرآن وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (الفرقان: ۳۰) فقد هجروا قراءة القرآن، بل وهجروا فهمه وتنفيذه والتخلق بأخلاقه والعيش بقيم القرآن لذلك يجب أن نستخرج قيم القرآن ونقوم بتنفيذها. يقول عبد الله بن مسعود "ينبغي لقارئ القرآن أن يُعرف بليله إذ يقوم بالقرآن، وبنهاره إذ يتخلق بالقرآن وبسمتِه (أي طريقة معاملته مع الناس) بحسن أخلاق القرآن". وتقول السيدة عائشة عندما سئلت عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم قالت:(كان خلقه القرآن) ولذلك يجب أن تكون قرآنا يمشي على الأرض. لذلك يجب أن نقوم بنشر ملصق "سنحيا بالقرآن" في كل مكان لنذكر الناس؛ لأن هدفنا هو تجميع (١۰) ملايين ختمة، فمن الممكن أن يرى أحد الملصق الذي قمت بوضعه فيقرر أن يقوم بختم القرآن فتأخذ ثواب قراءة القرآن.

القيمة: القدرة على الاختيار الصحيح:

نشأ سيدنا موسى في بيت فرعون وعاش في القصر، وأي إنسان يعيش في القصور في هذه السن الصغيرة يكون لهذه العيشة المترفة بريق وجمال. فقد كان سيدنا موسى يعيش في بيت فرعون وفي الوقت نفسه كان يعرف كل الحقائق وهو أنه ليس ابن فرعون ولا ابن آسية بل إنه ابن المرضعة، وأنه من فقراء بني إسرائيل غير أن اسمه الأمير موسى وكان معه الحرس والخيل والجنود، وكانت آسية تعرف أنه ليس ابنها وقالت له إنه ليس ابنها ولكنها لا تعرف أنه ابن المرضعة.

ما سنتناوله اليوم خطير لأن سيدنا موسى سيختار وبناءا على اختياره سيؤهله الله إلى منزلة ومكانة عظيمة. إن الحياة كلها اختيارات بينما يترك الله مفارق طرق في الدنيا ليقوم العباد بالاختيار، فرب العالمين يعطي عبده الحرية لكي يختار الطريق الذي يريده وسيدنا موسى هو أول شخص يترك الله له الحرية لكي يختار. فقيمة حلقة اليوم هي القدرة على الاختيار الصحيح؛ فهناك البعض ممن يستطيع الاختيار، وهناك البعض ممن لا يستطيع الاختيار ويترك نفسه للدنيا لكي توجهه، وهناك من يجعل أحدا يساعده على الاختيار لأنه لا يستطيع أن يتخذ قرارا، ولكن لكي ينجح الإنسان في الدنيا والآخرة يجب أن يكون لديه القدرة على الاختيار الصحيح في الوقت الصحيح.

الفرق بين قصر فرعون وبيوت بني اسرائيل:

هناك فرق كبير بين قصر فرعون وبيوت بني إسرائيل، فقد كان بقصر فرعون زينة وأموال وحرس وحشم وخدم والأمير موسى، أما بيوت بني إسرائيل فقد كانت بيوتا فقيرة مصنوعة من الخوص على ضفاف النيل يعيش فيها أناس فقراء. فالفرق بين المكانين كبير للغاية، فمن يختار أن يمثل سيدنا موسى؟ وما الذي سيختاره؟

إن سيدنا موسى سيختار الحق فقد عرف الاختيار الصحيح في الوقت الصحيح أما بعض الناس فلا يستطيعون الاختيار أو اتحاذ القرار، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يكن أحدكم إمعة إن أحسن الناس أحسن وإن أساءوا أساء ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا) يجب أن تستطيع أن تتخذ القرار الصحيح، ولا تترك الناس لكي تختار لك. إن اختيار سيدنا موسى هو الذي سيؤهله لكي يكون كليم الله فيمكن أن يذهب بك الاختيار إلى أعلى عليين وجنة الخلد بينما قد يضيعك اختيار آخر. لذلك يجب على الإنسان أن يفكر ويختار الاختيار الصحيح في الوقت الصحيح.

رسالة سيدنا موسى هي رفع الظلم عن بني اسرائيل:

يقول سيدنا موسى إنه من بني إسرائيل على الرغم من أنه الأمير موسى فإنه صاحب رسالة ورسالته هي رفع الظلم عن بني إسرائيل. وقد بدأ يحمل هذه الرسالة ويشعر بها، بل وأصبح قرار حياته، ففرعون كان ظالما وكانت هذه الناس مظلومة فسيدنا موسى لن يقبل الذل والظلم؛ لأن الله جعله شخصية حرة ليست ذليلة فلن يقبل الذل لأهله. ولذلك يعتبر سيدنا موسى نصير المظلومين في تاريخ البشرية وهو بطل الحرية في تاريخ البشرية فقد قال لا للظلم ولكن بلا عنف، بل بحكمة وعقل فقد قرر منذ هذه الفترة أن ينتمي إلى هؤلاء ويعيش لهؤلاء المستضعفين على الرغم من أنه لم يكلف بعد برسالة من الله! فقد كان عمره ثلاثين عاما بل إنه قد كلف عندما بلغ من العمر أربعين عاما ولكنه رجل مؤمن موحد يحب الله والناس ولا يريد الظلم بل يريد رفع الظلم عنهم، ولذلك بدأ بجمع بني إسرائيل فأصبح له أنصار وأتباع وأشياع.

عندما يختار الإنسان يختبر الله هذا الاختيار ثم يسوق الأحداث سوقا لكي تكبر نتيجة هذا الاختيار وتعلو، فقد كان بنو إسرائيل يقولون إن سيدنا موسى يقول إنهم من أتباعه ولكنه أيضا الأمير موسى، ولذلك يجب أن يحدث موقف حاسم يوضح أنه منهم. فعند الاختيار سيختبر الله أولاً اختيارك وعند الإصرار عليه يدفع الأحداث دفعا ليظهر أن اختيارك صحيح حتى وإن كانت النتيجة سيئة.

الحدث الفاصل:

من جمال القرآن أنه يحكي القصة في آيات قليلة لتفكر فتفهم منها أمورا عديدة، يقول الله تعالى في سورة القصص {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ} (القصص: ١٥) دخل سيدنا موسى "المدينة" أي المكان الذي يعيش فيه بنو إسرائيل لأن الأمراء كانوا يسكنون على أطراف المدينة وقصر فرعون كان على أطراف المدينة، "دخل المدينة على حين غفلة من أهلها" أي أنه جاء سرا للقاء بني إسرائيل دون علم فرعون فيبدو أن العلاقة بين سيدنا موسى وفرعون كانت متوترة، وكلمة "شيعته" تطلق على الأنصار والأتباع الأقوياء جدا ففي هذا ما يدل على أن سيدنا موسى كان له أتباع وأنصار على الرغم من أنه لم يكلف بالرسالة بعد ولكنه لا يريد الظلم. لذلك يجب أن تساند أي شخص مظلوم، فهذا هو ما أهل سيدنا موسى ليكون كليم الله، لا يمكن أن تكون ظالما وتعتق في رمضان، إذا كنت ظالما لزوجتك أو أمك أو أولادك أو شريكك أو جارك أو خادم عندك.

أما الرجل الآخر فهو مصري من حاشية فرعون فلم يكن المصريون من أعداء موسى بل إنهم إما ساندوه أو آمنوا به أو ساندوه ولم يؤمنوا به ولكن كلمة "من عدوه" تدل على أنه من حاشية فرعون، وكان يضرب الرجل من بني إسرائيل ضربا شديدا فلم يستطع سيدنا موسى أن يرى ذلك، ولم يتحمل فوكزه موسى، فالوكز هو الضرب بقبضة اليد فمات الرجل، ولم يكن يريد سيدنا موسى أن يقضي عليه فحدث الظلم - هذا يحدث كل يوم ولكن هذه أول مرة يقول فيها أحد لا للظلم- ولذلك فهذا حدث فاصل ومن هذه اللحظة سيكون سيدنا موسى البطل الذي ضحى لنصرة المظلومين وسيخرج بعد ذلك عشر سنوات فقد اختار، وبعد ذلك سيجعل الله الأحداث تساق سوقا لمشيئة الله.

لا للظلم بل يجب العدل:

ندم سيدنا موسى وقال {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (القصص: ١٦) فندم لأنه كان من الممكن أن يبعد الرجل دون وكزه، وندم أيضا لأنه من المحتمل أن يكون الرجل الذي من بني إسرائيل هو الذي أخطأ وأنه قتل شخصا دون ذنب بل كان يجب أن يعرف القصة ويحكم أولاً، فشعر أنه تسرع {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ} فتاب سيدنا موسى واستغفر بسرعة {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي}. فتعلم سيدنا موسى ألا يقضي في شيء قبل أن يسأل ويتحقق أولاً وعرف أن العدل قيمته كبيرة جدا، ولذلك سيظل عشر سنوات لكي يعرف قيمة العدل، هذا يدل على أن الظلم خطير جدا فلا يجب أن يفعل سيدنا موسى ذلك. كلمة "رب" تعني الذي يربي فسيربي الله سبحانه وتعالى سيدنا موسى عشر سنوات يتذكر فيها هذه الحادثة لكي يعلم أنه لا للظلم بل عليه بالعدل.

{فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} كيف علم سيدنا موسى أن الله غفر وهو غير مكلف بعد؟ فالمؤمن عندما يتوب يعلم أن الله غفر له فالفاء هنا للسرعة. - بالله عليكم استغفروا الله الآن- عاهد سيدنا موسى الله تعالى فقال {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرا لِّلْمُجْرِمِينَ} (القصص: ١٧) فقد أنعم عليه بالقوة والمغفرة وسرعة الاستيقاظ، ولذلك فقد عاهد الله أنه لن يكون ظهيرا ولا مساعدا لمكان فيه فرعون وفيه ظلم.

لا للتعميـم:

{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ} (القصص: ١٨) فهو لم يرجع إلى قصر فرعون لأنه كان خائفا، كما لم يرد أن يكون ظهيرا للمجرمين. فخوف سيدنا موسى يدل على أن الأمور بينه وبين فرعون كانت متوترة وخاف أن يعاقبه فرعون على قتل الرجل، هذه أول مرة يخاف الأمير موسى حيث يجب أن يذوق معنى الخوف التي تشعر به بنو إسرائيل ولكنه لم يذق الخوف وهو صغير حتى لا يكون ذليلاً ولكي يستطيع أن يحررهم.

(فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) فالرجل نفسه من بني إسرائيل قد تشاجر مع رجل آخر من المصريين فيبدو أن هذا الرجل يحب المشاكل فقال له موسى (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ) أي أنه يفهم بطريقة خاطئة وأنه يريد أن يحل مشاكل بني إسرائيل عن طريق الشجار وهي ليست الطريقة الصحيحة لحل المشاكل مع بني إسرائيل ولا الطريقة الصحيحة لإزالة الظلم فهي طريقة خاطئة. كثير من المسلمين المتدينين يحدثون مشاكل كل يوم ظنا أنهم بذلك يحلون المشاكل على الرغم من أن الأمان والسلام والرحمة والحب والهدوء والكلام العاقل هو أفضل طريقة لحل المشكلات، فاحذروا أن تكونوا مثل هذا الرجل.

لكن سيدنا موسى قد رأى الرجل يضرب بشدة ففكر سيدنا موسى هل يدافع عنه أم لا {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} (القصص: ١۹) نظر سيدنا موسى إلى الرجل من بني اسرائيل وقال له (إنك لغوي مبين) ثم بدأ يتجه إلى المصري ولكن الرجل من بني إسرائيل ظن أنه يريد أن يضربه فقال (أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ) فلم يكن هناك شهود بالأمس. إن الرجل الذي قُتل بالأمس من حاشية فرعون ولم يعرف أحد القاتل ولذلك كان سيدنا موسى "خائفا يترقب" بينما فضحه الرجل من بني إسرائيل وقال (أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) فعرف سيدنا موسى من هذا الموقف أنه ليس كل بني إسرائيل من الصالحين كما كان يظن بل بعضهم يحب المشاكل فلا للتعميم. وعندما ذُكروا بنو إسرائيل في القرآن تجد الله يقول {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} (الأعراف:١٥۹) فلذلك لا تقم بالتعميم أبدا. حزن سيدنا موسى لما قاله له الرجل وهو من يريد أن ينصره! فأحيانا يظلمك كل من حولك وأنت لست كذلك، فاصبر وادعو الله أن يكون راضيا عنك.

الأمر بقتل سيدنا موسى:

سمع المصري (أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ) فذهب إلى قصر فرعون وقال إن القاتل هو سيدنا موسى. فقد جرى المصري على قصر فرعون وكان هناك اجتماع خاص جدا في غرفة مغلقة يجتمع فيها فرعون مع ملأه وهم الفريق الخاص بفرعون والمستشارون وكبار القوم، فوصل الرجل المصري وقال إنه عرف القاتل وهو الأمير موسى. فبدأت الحقائق تظهر أمام فرعون، من هو موسى؟ وهل هو من بني إسرائيل أم لا؟ فعلم أنه ابن المرضعة وأن أمه وأخته هما من خدعاه حتى لا يقتله! فغضب فرعون غضبا شديدا وأمر بقتل موسى وألا يُعتبر ما قام به موسى قتلا خطأ ولكن قتلا عمدا فقد نجا منذ ثلاثين سنة ولكنه لن ينجو اليوم. هنا يجب أن يتعلم الإنسان أن يكون مع الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (يا غلام احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة إذا اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك وإذا اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك رفعت الأقلام وجفت الصحف) وانتهى الاجتماع في هذه الغرفة واتفقوا على أن يُقتل موسى وأمر فرعون أن يبحثوا عن سيدنا موسى ويقتلونه فورا.

فمازال سيدنا موسى في المدينة { وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} (القصص: ۲۰) فهذا الرجل كان من ملأ فرعون وقد كان حاضرا في الاجتماع وليس شرطا أن يكون مؤمنا، وكان يسعى لأنه كان يريد أن يلحق بسيدنا موسى فكان يعرفه وعندما علم بقتله ذهب ليخبره بسرعة. فقد أتى هذا الرجل من أقصى المدينة أي من أطراف المدينة أي من القصر، فمن المحتمل أن هذا الرجل عندما كان جالسا في هذا المجلس وعندما أراد فرعون أن يأخذ الآراء بقتل موسى أن يكون قد صوت بقتل موسى ولكن من داخله لا يريد قتله فأحيانا يريد البعض عمل الخير لكن لا يستطيع المواجهة، فهذا الرجل أيضا قد اختار، وهذا أيضا نتيجة أن سيدنا موسى كان منفتحا على المصريين، فالانغلاق غير صحيح. يجب أن تجعل الناس ترى المسلمين والمؤمنين لينصروك بعد ذلك لأنهم إذا لم يعرفوك لن ينصروك. وهذا الرجل يعرف سيدنا موسى وجاء "يسعى" أي يريد أن يلحق بموسى قبل أن يقتلوه، وعندما جاء إليه خرج سيدنا موسى فورا لأنه وثق بكلامه.

الاختيار الصحيح والتوكل على الله:

عندما اختار سيدنا موسى الشهامة ونصرة الضعيف فنتيجة اختياره لم تضِع، فالخير لا يذهب ولا يضيع أبدا فقد جاء هذا الرجل ليخبره لكي يهرب. فسيخرج موسى من مصر وهكذا انتهت مرحلة الإعداد الأولى التى بدأت باحتضان وانتهت بطرد وكلاهما مفيد، بدأت على يد أمه وانتهت في قصر فرعون مدة ثلاثين عاما وسيخرج الآن لمدة عشر سنوات إلى مدين. ولذلك نتعلم الاختيار الصحيح والتوكل على الله.
 
أعلى